منبر حر لكل اليمنيين

مركز مداري للدراسات… 5 أعوام من الاستقلالية والمهنية

39

الحدث الكبير والذي كان له معاني كثيرة وكان نقطة فارقة في واقع مدينة مأرب، ذلك تحدد عندما تم وضع حجر الأساس لإنشاء مركز مداري للدراسات والأبحاث الاستراتيجية فهو أول مركز بحثي مستقل ومتخصص بمحافظة مأرب أسس في مارس 2019م، واحتضن المركز منذ تأسيسه مجموعة من الشرائح الثقافية والفكرية والسياسية والقبلية ووضع الحلول والمعالجات وذهب لتفكيك أصل المشاكل والظواهر.

لم يخطر ببالنا يوم أن يحتضن معنا ذلك المولود ويتجمع حوله ذلك البناء الواعد بالخير، وبدأت الأيام تتوالى والإنجازات تتكاثر، حتى استطعنا أن نلفت الانتباه إلى عامة المجتمع المأربي واليمني والاقليمي والدولي والوطني، وحتى اننا ذهلنا نحن انفسنا عندما وصلت سمعتنا في مركز مداري إلى العديد من الاقاليم العربية، مما حمسنا لتوسيع ذلك العش الجميل.

وتلقينا التهاني والتبريكات من المنظمات الدولية والمحلية، والسلك الدبلوماسي ممن امنوا برسالتنا الخالدة في الطرح المستقل والمنهج العصامي، الذي مكننا من التحرك بخطوات واثقة يحيط بها الأمل والأيادي الحامية والكلمات الطيبة والمشجعة.

بدأت مراحل تطور عمل المركز النوعي تبرز وتمكن المركز من أن يخطو لدراسة الواقع السياسي والاجتماعي، ثم اخترقنا منظومة الثروات الوطنية وواقع المواد، وبدأنا في نسج الآفاق العلمية والسياسية والتنمية المستدامة، وبدأنا في تسليط الأضواء على حجم ثرواتنا الوطنية النفطية والغازية والتراثية والزراعية والمائية، والتحديات التي تواجهها والمؤامرات التي دفعتنا إلى اخراج ملفات الفساد والأطراف المتورطة، وحققنا نجاحات لابأس بها في تطويق مكامن الاختلالات، وبقدر ما اصطدمنا بصخور من الإحباط، فإن كوادر المركز ومشجعيه وانصاره اختاروا حبل السبق والمواجهة الحكيمة، المترافقة بوضع المواجهات المنطقية المبنية على العلم والمعلومات والمنطق السليم.

ولم يكتمل عامنا الثاني حتى بدأت تلك الفئات التي تكن العداء لأي عمل مستقل ومهني والتي جاهرت بعدائها للمركز وتجاوز المركز كل الصعوبات، ومن ناحية أخرى استطعنا تبادل الرؤى مع الكثير من القوى والأطراف، واقتحمنا دائرة الحوار الساخن بهذا المردود الوطني والنقاش المقنع والمحايد، ومرت الثلاث الأعوام الأخيرة من عمر مركز مداري حتى استطعنا عبور ذلك المدار الكوني المشع بالمعرفة وبالعزم والانفتاح، وفتح وتأسيس مداميك نوافذ التنمية والبناء، وركزنا على معالم النهوض التي تحتاج لها الأمة اليمنية والعربية، وبدأت الفئات الشعبية والقبلية تتواصل معنا بحماس أكبر من السابق، لأنهم يجدون في حديقتنا الحوارات الحازمة والمقنعة والبعيدة عن التشنج والتحيز والعنصرية الطائفية، والروح القريبة إلى بناء الوطن المأربي لاستشراف المعرفة والإجابة على العديد من الاسئلة والتحديات.

وكغيرنا من الفئات التي اصطدمت بالحرب والآلام والتيه الامني والسياسي، إلا أننا احتضنا تلك البوتقة وساعدنا ابناءها على التحرك والنهوض بحكمة ودراية، بحيث تجاوزنا خلال تلك الفترة القصيرة من هذه الأعوام، وحافظنا على علاقاتنا السياسية والمجتمعية باتزان مع ابناء شعبنا العزيز في مأرب، ومع المثقفين والمعارضين لنا متمسكين بالحفاظ على اللياقة السياسية مع المجتمع وفئاته المتعددة.

ولا يفوتنا هنا انه خلال هذه الخمسة الأعوام الأولى من عمر مركز مداري، فقدت اليمن الكثير من قادة الرأي والفكر والذي كنا نستنير من أفكارهم ورؤاهم، إلا اننا استطعنا الاقتباس من الكثير من تراثهم بعد رحيلهم، حتى اننا استطعنا تغطية فجوة غياب أولئك النخبة السياسية والفكرية والقبلية التي امتلكت القوة والصلابة، وتركت لنا ذلك الرصيد من الحكمة والتآلف ووحدة النسيج اليمني المجتمعي، وسرنا خلف مبادئهم وأفكارهم للحفاظ على سلامة مسار مركزنا وأفراده وكوادره، بتصورات أولئك الأبطال الذين غادرونا ونحن في أمس الحاجة الملحة لهم، وحافظنا على متابعة مسارهم ورصيدهم الوطني الذي تركوه للأجيال لاستثمار افكارهم عند الضرورة.

وفي الشوط الخامس من عمر مركز مداري الفتي الذي خرج منتفضاً وحيث اكتسب في هذه الفترة من العام الخامس، والتي نواصل حالياً برامجنا وسياساتنا وتحركاتنا وخططنا المرسومة بحيث قد أضفنا لبنات وخطوات تنموية يانعة، ولا زالت قيادات المركز وكوادره الشابة يتمسكون حول هذه اللبنات الفتية بصنع مركز مداري في مرحلة التفوق القادم، من خلال التحركات الاستراتيجية والتواصل مع الخارج، وفي المحيط العربي والدولي وعمل بروتوكولات تعاون وتوأمة مع المراكز المشابهة، والتنسيق مع نخب المهجر الذي منعتهم الحروب والكوارث في اليمن الحبيب، وتعرضت مأرب لهجمة بالقسط الأكبر من هذه الكوارث، إلا اننا واصلنا تمكين الروابط والتحركات مع التفاعلات السياسية والحزبية والشعبية.

وفي مرحلة الفترة الحالية نعمل ونمشي بثقة أكبر من الأعوام السابقة، وارتفع رصيد مركز مداري وهذا يشجعنا الى وضع لبنات جديدة معززة بالمعرفة والعلاقات والنصح الصادق مع السلطة المحلية بمأرب والقبائل والسياسيين الذين يتوافقون مع افكارنا وتوجهاتنا الوطنية البعيدة عن التطرف والانحياز، وقد أمتلأ مسارنا بالثقة بالمستقبل وبقدراتنا على توسيع دائرة المعارف الجيوسياسية والتنموية، بما يحقق للمركز اختراق الحواجز بسرعة فائقة ونظرة بعيدة للمستقبل، وبحيث يتحول المركز خلال العام القادم الى شجرةً وارفة الظلال يحيط بها الكوادر اليمنية المسالمة من ابناء مأرب والباحثين عن السلام والحقيقة والمتأهلين، لخوض معركة البناء والنهوض وخدمة أبناء مأرب العزيزة، وخدمة منظومة الوطن الواسع والذي ما زالت مأرب هي ذلك الظهر والسند القوي لكل تحركات الوطن الغالي نحو الحرية والسلام.

ونحن في مركز مداري نتوقع أن يتكلل تفاعلنا وحماسنا، لتوسيع دائرة الإخاء والتعاون والتنمية المستدامة إيماناً منا من أن ابناء مأرب سيكونون السباقون في كسر الجدار، والذي يوشك أن ينهار وتحل محله أعمدة الاخلاق والبناء والسلام والعدالة المجتمعية، ولن نضيع رسالة ملكتنا بلقيس والتي ذكرها الله في كتابه الكريم، من أننا أولو قوة وأولو بأس شديد كما أننا سنستمع للرأي والمشورة لنفتح خطوط السلام والتكامل التنموي مع شعبنا العزيز ومحيطنا الاقليمي والشعبي.

*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الإستراتيجية.
24 مارس 2024.

تعليقات