ياسين .. المختلِف المؤتلِف من عدن إلى لندن!
قَلَّ أنْ كانت هناك كتاباتٌ عن (ياسين سعيد نعمان) تتسم بحدٍ معقولٍ ومقبولٍ من الموضوعيةٍ والإنصافٍ بصرفِ النظر عن مستويات الاختلاف أو الاتفاق معه.
من الزاوية التي نظرتُ منها إليه، أجد اليوم أن الحديث عنه بوصفه شخصيةً عامةً، وطنية وإنسانية ، لابد أن يكون محايداً ونزيهاً، قدر الإمكان، حتى يساهم هذا الجهد في (نفْضِ بعض الغبار) عن مرحلةٍ حرجةٍ في تاريخنا السياسي الحديث.
ذلك، ليس فقط بوصف نعمان أحد آخر ساستنا الكبار الأحياء، الناجين من دوامات العنف وأوبئة الكراهية، بل كذلك لأن تجربته، كانت لا تزال منذ عقودِ، مثاراً للانقسام على جانبين، أحدهما مؤيدٌ له بمحبةٍ شديدة، لدرجة إغماض الطرف عن مثالبه، والآخر مناوئ له بجفاءٍ حد إنكار مناقبه، وقد يكون لكلا الجانبين حجته ، خصوصاً في الجدل حول ما إذا كان الرجل سياسياً مثقفاً خذلته الظروف ، أم مثقفاً عضوياً مهماً سرقته السياسة.
عاش ياسين تجربةً ثرةً، خصبةً، وعميقةً داخل اليمن وخارجه، عانى خلالها الكثير من العَنَتِ وسوءِ الفهم والتحامل وحتى محاولات الاغتيال والاعتداء على حياته، لكنه استوعب خلالها الكثير من تناقضات وتعقيدات الأزمة التاريخية اليمنية، إلاّ ان مشكلته كانت، لدى البعض، في أنه أراد حل تلك الأزمة بواسطة المنهج الأكاديمي الذي تعلمه في الخارج، الأمر الذي لم يكن ممكنا في الواقع اليمني بأي حالٍ من أحواله البالغة الصعوبة والتشابك.
سوف احاول ما استطعت تجنب ما هو شخصيٌ إشكالي في علاقتي معه، سأتحدث عنه بصراحةٍ قد لا تعجبه ، أو لا تروق لأيِّ من الجانبين، وأتطرق إلى (تفاصيل) ربما تبدو بسيطة لكنها تنطوي على قدرِ من الأهمية في فهم طبيعة ومنهج تفكير وعمل الرجل وإدراك مقاصد هذا الحديث عنه الآن .
زمنياً ربما تطول الفترة بين أول وآخر لقاء جمعني به إبتداءًا في صنعاء ، ثم في أبوظبي، وأخيراً في لندن.
أما مكانياً فقد لا تتجاوز المسافة بين مكانين اقترب فيهما كلانا من الآخر ، خلال السنوات الثلاث والثلاثين الماضية، حدود ميلٍ ونصف، سواء في صنعاء عندما أصبح رئيساً لأول برلمان يمني موحَّد بعد الـ 22 من مايو/آيار 1990 عقب توحيد شمال البلاد مع جنوبها الذي كان ياسين يرأس حكومته, أو في لندن عندما قدِم إليها سفيراً لليمن لدى المملكة المتحدة.
وفي كلا الحالتين كان نعمان في البُعد عنه (أقرب) غالباً إلى فهم مواقفه من خلال آرائه، وخصوصاً في بعض كتاباته الآخيرة ، لكنه كان في القرب (أبعد) أحياناً عن فهم شخصيته كسياسيٍ وكمثقفٍ وربما كإنسانٍ ، له من الطباع والسجايا ما نعرف بعضه ونجهل البعض الآخر !
ظل الاحترام المتبادل في العلاقة بين (السياسي) نعمان و (الصحفي) كاتب هذه السطور مقترناً دوماً بالحذر من جانبه ، كما هي عادة كثيرٍ من ساستنا الاذكياء ، سيما إذا كانوا لا يزالون على صلة بالحكم ، ومُتسماً بالحيرةِ من جانبي غالباً ، كما هو الشعور بالإحباط في حالة الود من طرف واحد.
ربما كان ذلك بحكم الصورة النمطية لديه وآخرين في قيادة الحزب الاشتراكي عن أن كل من عمل ضمن النظام السابق للرئيس الراحل علي عبدالله صالح لا ينطق عن هواه و إنما هو وحيٌ يُوحَى إليه من (الرئيس)!
يمثل (ياسين) من منظوري الخاص واحداً من إثنين .. السياسي الميِّت بحكم الخيبة والنكوص اللذين آلت إليهما آمال وأحلام جيل الكبار من أمثاله ، والكائن السياسي الحيّ، بدليل أن تحليلاته الأخيرة تضرب في العمق بوضوحٍ ودقةٍ، تفوق بكثيرٍ ما قاله علناً في السابق قبل ستة أعوام على الأقل منذ مجيئه إلى لندن.
رغم قتامة وبؤس المشهد السياسي القائم نكاد لا نجد اليوم من (النخبة) السياسية القريبة من الحكم أو تمثله من هو أكثر من (أبي أوسان) حضوراً بالرأي، وفعاليةً في الموقف، ومواكبةً لتطورات ذلك المشهد.
نعمان السالم الغانم!
من أغرب المحطات التي يمكن الوقوف عندها على الطريق الذي سارت عليه تجربة ياسين أنه كان بارعاً ودبلوماسياً في الإفلات المبكر من أخطر الأزمات التي عرفها حزبه (الاشتراكي) والعودة منها إليه ، سالماً غانماً ومنقِذاً!
الأولى .. عندما غادر عدن إلى دمشق قبل أيامٍ من الانفجار الكبير للحزب في الـ 13 من ناير/كانون الثاني 1986 والعودة بعد ذلك لتبوؤ رئاسة الحكومة.
والثانية .. حين غادر إلى أبوظبي بعد حرب العام 1994 ثم الإياب ليتقلد منصب الأمين العام للحزب ، بعد ترتيبات معقدة إشتغل عليها عدد من رفاقه وفي مقدمتهم جارالله عمر .
ورابعها .. حين انصرف عن متابعة دوره في مؤتمر الحوار الوطني عندما “احتدمت الخلافات بين أعضائه حول شكل الدولة” وذلك كما قال لي وزملاء آخرين وقت زرناه إلى (نيوكاسل) شمال شرق انجلترا حيث جاء إليها بحجة زيارة إبنه الدارس هناك (أوسان) لينضم لاحقاً إلى مؤتمر الرياض الذي استضافته السعودية عقب اندلاع الحرب العام 2015 , ولم يبارح الرياض إلاَّ بعد أن ضمن تعيينه في لندن سفيراً لصنعاء الخاضعة لسيطرة خصومه الحوثيين ، وهو المنصب الذي أفاد أكثر من مصدر بأن ياسين كان حريصاً في الحصول عليه.
مهمة أبوظبي
بالعودة إلى فترة إقامته في العاصمة الاماراتية تمكن نعمان من ترتيب أوضاعه كغيره من رفاقه في قيادة الحزب النازحين، وذلك إلى حينٍ هناك.
وبعد فترة من إعلان صنعاء (العفو العام) عن أبرز قادة الاشتراكي المدنيين والعسكريين – لم يكن من بينهم نعمان – لم يعد أحد منهم إلى البلاد ، فعزم صالح على القيام برحلة عملٍ غير معلنة إلى أبوظبي للتوسط برئيس الامارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان لاقناع (الرفاق) اليمنيين بالعودة إلى صنعاء وحتى لا يؤثر طول بقائهم فيها سلباً على العلاقة بين اليمن والإمارات.
سبقت هذه الزيارة رحلة أخرى مفاجئة قام بها صالح إلى أبوظبي وفق ما ذكره السفير مصطفى نعمان قائلاً “اتصل بي صالح الى البحرين وطلب مني ان اسبقه الى ابوظبي وان التقي الدكتور ياسين سعيد نعمان (اول رئيس لمجلس النواب بعد الوحدة) ومحمد سعيد عبدالله “محسن” (وزير سابق) وتأكيد رغبته في الاجتماع معهما، وغادرت فوراً الى أبو ظبي” لكن هذا اللقاء فشل في اقناع قيادات الحزب الاشتراكي في العودة إلى صنعاء للمشاركة في الانتخابات التشريعية في شهر ابريل (نيسان) 1997 قبل تلبية شروط ومطالب الحزب.
وكانت تلك الشروط تتمثل في معالجة آثار الحرب واستعادة ممتلكات الحزب وامواله وإعادة جميع المسرحين عسكريين ومدنيين الى مواقعهم التي ازيحوا منها بعد 7 يوليو (تموز) 1994.
ووفقاً لما ذكره لي ياسين في مكالمة معه ، فإن محسن العيني رئيس الوزراء الأسبق الذي كان برفقة صالح أو التقى به عقب ذلك اللقاء أخبره أن الأخير برر له فشله في إقناع تلك القيادات بالعودة بقوله “لا تزال خشومهم مركوزة ولابد من كسرها”!
أما في الزيارة الثانية فكنتُ ضمن مجموعة صغيرة تعد بأصابع اليد الواحدة اختارها صالح لمرافقته عندما ذهب من مطار أبوظبي مباشرة إلى (خيمة زايد) الذي استقبله جالساً حيث كان في وضعٍ صحيٍ غير مريح .
بعد الاطمئنان عليه تحدث إليه صالح بالغرض من زيارته ، وأنه عقب أن جس، عن طريق غير مباشرً، نبض الإخوة (الضيوف) لدى الإمارات قرر الأخذ بزمام المبادرة، والمجيئ للقائهم والعودة بهم على طائرته إلى صنعاء.
كانت المفاجاة أن زايد أخبر زائره أن (الجنوبيين) لن يعودوا إلى اليمن “حتى يتم وقف إطلاق النار” وذلك رغم مضي سنوات على انتهاء الحرب، وذلك كما ذكر صالح وبعض الحاضرين ، وعندها أدرك صالح أن قضيته ليست في خيمة الحاكم العربي الشهم (زائد) بل في مقر السفارة اليمنية حيث ينتظره ضيوف زايد هناك.
وبعد اجتماعٍ في أحد مكاتب السفارة ساده التوتر ، غادر ياسين اللقاء حيث جلست معه وكان برفقته العميد هيثم قاسم طاهر ، وفهمت منه أن اللقاء مستمر، ولكنه غير متفائل بنتائجه.
وما تسرب لديَّ عن الاجتماع أن صالح تحدث إلى أؤلئك القادة ومن ضمنهم نعمان برغبته في إعادتهم بصحبته ، وأن طائرته تنتظر مغادرتهم معه ، ولم يوافق على ذلك سوى (مجاهد القهالي) الذي قال له صالح “بالنسبة لك إجلس هنا”.
ثم فض صالح الاجتماع بعد نحو عشرين دقيقةٍ وخرج غاضباً ، بل وقرر إنهاء زيارته للامارات والعودة محبطاً من حيث أتى.
وفور اقلاع الطائرة التي سوف تقله من مطار أبوظبي امر صالح قائدها بالتوجه نحو مطار (الريَّان) في محافظة حضرموت للإيحاء بأن (المُكلا) كانت وجهته الأساسية ، وأن زيارته لأبوظبي التي كان قد جرى الترتيب لأن تستغرق يومين أو ثلاثة لم تكن سوى لـ (المرور) بغرض الاطمئنان على صحة رئيسها.
وبعد أن هدأ قليلاً دعاني إلى مقصورته ، محذراً من نشر أو إذاعة أي خبرٍ عن مهمته أو نتائجها، ثم أبقاني معه في المكلا لأكثر من أسبوع حتى تنتهي القيمة الخبرية لهذه “الغزوة” !.
كشف صالح في جلسة مقيلٍ مصغر اليوم التالي، كنت حاضراً فيها عن بعض تفاصيل اجتماعه بقادة الاشتراكي ، وقال إنه طمأنهم بقوله “عودوا إلى صنعاء أو عدن ، ولن تخسروا شيئاً ، فقد طلبت من الشيخ زايد أن يرسل إليكم في اليمن ما تحصلون عليه في الإمارات”.
أضاف صالح قائلاً ” فعلت ما يجب عليَّ ، وعليهم أن يفعلوا ما يجب عليهم ، فالبلاد مفتوحة أمام الجميع” مؤكداً أن ياسين بدى له “أكثر من الجميع تردداً من فكرة العودة” وأن موقفه ربما كان له تأثيرٌ سلبيٌ على رفاقه ، ولكن دون أن يذكر سبباً لاشتراطات أو مطالب أو تحفظات محددة لنعمان ، غير أن اللافت أنه أشار إلى موقف ياسين دون غيره ودون أي تفاصيل.
عودة ياسين
في ما بعد عرفت أن نعمان اتخذ قراراً بعودةٍ غير مشروطة إلى صنعاء بعد أن خيَّرته الإمارات ورفاقة بالبقاء لمن يشعر بخطر على حياته إن عاد إلى صنعاء أو الذهاب إلى وجهات أخرى.،
وقد علمت بعد عودة ياسين أن صالح أصدر توجيهات بتلبية كل ما يتعلق بطلبات الرجل لإعادة تأهيل وتأثيث منزليه في صنعاء وعدن.
في لقاءات عدة ونقاشات مكثفة مع ياسين، شرح لي الكثير من ملابسات وأسباب مغادرته البلاد وعودته إليها لمرات عدة منذ العام 1986 قبل أحداث يناير الكارثية وقبل انهيار مؤتمر الحوار الوطني العام 2014 الذي تولى رئاسته، وما تلى ذلك من حرب مأساوية ، كما اطلعني على جزء من وثيقة مهمة أعدها تشرح تفاصيل كل ذلك، وأتمنى أن يبادر إلى نشرها في حياته لأهمية ما احتوته من تفاصيل، ولأنه سيكون الأقدر على تفنيد أي انتقادات لها.
ما الذي أراده صالح وياسين من بعضهما؟
ما لم يكن يحلم به الأول هو مهادنة الثاني له ، لكن صالح فوجئ بتوليفة (تكتل اللقاء المشترك المعارض) التي عمل عليها الراحل (جار الله عمر) و (محمد عبدالرحمن الرباعي) وساسة آخرون لإعادة بث الحياة في روح الحزب الاشتراكي.
وعندما سألت (عمر) عما الذي يمنعه من قيادة الحزب بنفسه ، وحول أسباب إصراره على أن يكون هذا التكتل فرصة لتعزيز موقع ياسين على رأس الحزب وتأكيد حضور الحزب في (المعارضة) ضد صالح ، كان رد جار الله أن “وجود ياسين على قمة الحزب من شأنه تأمين وحدته ووحدويته أولاً ، وضمان تمثيل الجنوب في الحياة السياسية ثانياً”.
ولكن في تقديري أن صالح كان يتوخى الحذر من طموحات “الفقيه عمر” كما كان ينعت به جار الله أكثر من تلك (الكاريزما) التي يتمتع بها نعمان في صفوف اليسار وقوى التكتل الأخرى .
ديبلوماسي أم مفكر؟
ما أبانت عنه سنوات ياسين الأخيرة في لندن كانت خلاف ما توقعت ، فقد أثبت أنه قادر على الإمساك بطرفٍ من الفكر أولاً ، ومن صلابة الموقف السياسي ثانياً، ثم الديبلوماسية ثالثاً.
وفي منشوراته اللاحقة بعد روايتيه السابقتين “عبور المضيق” و”جمعة” بعيداً عن نشاطه الدبلوماسي أو السياسي ، تأكد أن الرجل عَبَرَ المضيق فعلاً من ضيق العبارة إلى اتساع الرؤيا وانتقل بالتحليل التاريخي من عذابات “جُمعة” إلى عذابات المجتمع.
يتسابق صوتان في كتابات ياسين، سيما عن الآخرين الذين ينتخب سِيَرهم وتجاربهم بعناية كي يستلهمَها من لم يعرفها أو عرفها ولم يدركها.
في الصوت الأول صوتٌ مثقفٌ أنيق ، يذهب إلى الدال المهم من الكلام ويحاول أن يقصد المباشر العميق في المعنى ، ويحتويه ، معلومةً او رقماً ، بلُغَةٍ رشيقةِ الأسلوبِ والصياغة ، وخاليةِ من الحشو والإطناب.
أما الصوت الثاني فهو يعكس خبرة ياسين في انتقاء الموضوع وتوقيته وصاحبه ، فمن بين كثيرين اصطفاهم لا زلت أتذكر مثلاً ما كتبه عن صديقه الراحل القاضي عبدالكريم العرشي ، أبرز رجال الدولة والإدارة في شمال البلاد وبعد وحدتها خلال عقود، وهو مَن عرفْتُه منذ صباي كجار وصديق لأسرتي في ذمار أكثر مما عرفه ياسين ، وكذلك صديق نعمان ، البريطاني الويلزي، العاشق لليمن (جاك سترو).
مجمل كتابات ياسين الأخيرة يوحي بِتشبث الرجل بمشروع “الدولة” حيث لم تثنه معاناته وحيرته وانكساراته خلال سنوات “اللادولة” عن المنافحة دفاعاً عن حلمه بـ “الدولة الوطنية” ذات المحتوى الديمقراطي والاجتماعي الواسع.
أكاد أبدو متأكداً من ضيق صدر الرجل الكبير بـ (المشاريع الصغيرة) التي يستميت البعض في محاولة اجتذابه إليها ، دون وعيٍ بان عجلة التاريخ لدى نعمان دارت نحو المستقبل، ويستحيل على (ضمير متصلٍ) بالعصر أن لا يكون حاضراً في المستقبل، لأنه في الأساس لم يكن في الماضي (ضميراً منفصلاً) عن العالم وتحولاته .
نعمان في لندن
بصراحةٍ ، لم أكن سعيداً باستقرار ياسين في لندن بأي صفةٍ وظيفيةٍ كانت وقت مجيئه، فقد كانت قناعتي راسخةً بأن وجوده في قلب نظام الرئيس عبدربه منصور هادي كان (ضرورياً) لأسباب عدة، ابرزها اعتقادي أنه كان، برغم بعض انفعالاته، الأجدر بقيادة النظام واستعادة (الشرعية) او على الأقل للمساهمة في تصويب بوصلته ، أما منصب السفير الذي يمكن أن ينجح فيه من هو أقل خبرة وأصغر سناً منه ، فسيجعل من ياسين أشبه بمجرد رجل انتقل من مركز القرار والفعل إلى هامش التقاعد السياسي، وهو ما لم أكن أنا وكثيرون غيري نحبه له.
بين الفراق والعناق
لا أدري كيف فهم نعمان موقفي ولماذا لم يدرك غايته .. هذا على الأقل ما فهمته من تلميح نزق أومأ به نحوي في منشور له قررتُ أن أتجنبَ الرد عليه تسامحاً وإدراكاً بأن ثمة غبياً ربما يكون قد اصطاد بشبكةٍ مهترئةٍ في المياه التي عكَّر صفوها أنها تزامنت أيضاً مع تساؤلات لبعض الناشطين السياسيين الشباب عن (ماذا يفعل السفير في لندن)!
على هذا القياس وجدت أن ياسين الذي افترقت معه لنحو أربع سنوات لم يكن بتلك (المثالية) التي تصورتها عنه ، التي أقَلُّها إما أن يتغافل عن النميمة أو أن يواجه ناقلها بالمتهم بقولها.
اعتقد بضمير مطمئن أن ما قد يُحمد للرجل هو (الانفعال) عندما يشعر بأي قدرِ من المساس بكرامته، ما يجعله يبدو إنساناً طبيعياً على سجيته، ومثقفاً مبدعاً حقيقياً بلا تكلف ، لا كحرباء سياسية متلونةٍ وسامَّةٍ كآخرين من ساسة هذا اليوم الردئ.
هو في النهاية (بَشَرٌ) مثلنا ، له ماله وعليه ما عليه، سواء اقتربنا منه (اتفاقاً) في الرأي أو ابتعدنا عنه (خلافاً) في كيفية ترجمة هذا الرأي في الواقع.
تحيةً لياسين ، أزجيها امتناناً له على قبوله إعادة تبادل الاعتبار لما يجب ان تكون عليه العلاقةُ بين رَجُلين يُفترض أنهما يشتركان في ذات القناعات والأفكار والرؤى وإن تمايزا يوماً في طرق التعبير عنها.
——
للحديث عن نعمان تتمة لايتسع لها المجال في هذا المنشور ، آمل أن ترى النور في كتابٍ قادمٍ لي قيد الصدور .. رمضان كريم ، وكل عامٍ والجميع بخير .
القاهرة
الجمعة 15 مارس/ آذار 2024