منبر حر لكل اليمنيين

مقدمة ديواني: “وشاح الهندوان”

16

الاهداء:
الى الخوف… الفضيلة الوحيدة لوطني عليَ

١ -” واذا لم يكن من القصيدة بد”، ” فمن العجز ان اكون جبانا”.
هكذا يقول الشاعر حين تباغته القصيدة، ويجد نفسه في معمعتها كأنه بطل او شهيد.
رويدا رويدا تنقشع زوبعة القصيدة، فيلملم الشاعر ما تكدس في رأسه من احلام واقلام وترهات، ويمضي الى فراشه ليحلم، كأنه في ليلة عرسه الأولى.
كل عمر الشاعر حداد؛ الا اليوم التالي لفراغه من كتابة القصيدة. في هذا اليوم: يصحو – عادة – قبل ميعاده، ويفتح نافذة غرفته التي لا يفتحها ابدا، ويأخذ في التطلع في الافق؛ كأنه يرسم في فضائه قمرا أو منارة. يأتلق الصوت والضوء في نشوته، ويبدأ في الرسم…
بغتة، وقبل ان يستكمل اللوحة، يتذكر القصيدة( التي لا يدري لماذا نسيها، رغم انه استيقظ قبل موعده، وفتح نافذته، وشرع في تزيين حَدَبَةِ الأفق بالمنائر والاقمار )ويمضي الى أوراقه( التي زيّنَ بهاعرس ليلته المنصرمة) ليقرأ القصيدة.
يقرؤها للمرة الأولى، وللمرة الثانية، وللمرة العشرين؛ بدون أن يتوصل الى حل اللغز المستشري في رأسه: هل طوابير الفرح المتراصة من حوله وداخله؛ تتراص لاحتفاء القصيدة به؟ أم تتراص لأحتفائه بالقصيدة؟ سؤال معلّق، ويزداد استغلاقا مع فراغه من كل مرة- جديدة- من المرات التي يعاود بها قراءة قصيدته.
القصيدة أنثى. ولكنها انثى بهندام فرح. وهو موغلٌ في وساوسه وشكه. يعرف الأنثى ويتصيدها حيثما كانت! لكنه لم يشاهد في حياته، قط، انثى بهندام فرح. هي ذي انثاه- العصية- بكامل طواعيتها، وافراحها، مستلقيةً من حوله، وبين أصابعه.
* * *
٢- ” لو أن الحكام يقرؤن الشعر، أو كانوا ذوي قابليات- على الاقل-لأن يفهموه، لجعلوا يوم كتابة القصيدة، يوم عطلة رسمية”.
هكذا يوسوس الشاعر بعد ان يقضي يوم فرحه العامر من كتابة القصيدة، وينهي يوم فرحه بدون حروب ولا كوارث معوية ولا اوجاع ولا مراسيم.. ولا قرارات.
يأتي اليوم الثاني لكتابة القصيدة؛ كاليوم السابق على كتابتها. ويأتي اليوم الثالث…وتتوالى الأيام، وينسى الشاعر قصيدته، ويعود العمر، كما كان حدادا. ويعود الموظفون، والكلمات المتقاطعة ….عندئذ تهوم أكوام الاتربة والغبار وتختفي من شرفات الافق المنائر والأقمار، وتوصد النوافذ، ويطوّق الشاعر نفسه بأطمار الوحشة احتجاجا. كل شيء يعود الى ما كان عليه، قبل ان يغم الشاعر وقبل ان تكتب القصيدة.
٣-” اذا كان لابد من كتابة القصيدة”، فما عليَ الأ نشرها! هكذا قال الشاعر حين وسوس به الجوع، واشارت اليه الحاجةُ الأمارة بالسوء.عاد الشاعر الى أوراقه يقلّبها، فرأى اكداسا وظنها كنزاً، وأخذ يقرؤ…
قرأ القصيدة الاولى فأزداد نبضه. وقرأ الثانية فأرتفع ضغطه. وقرأ العاشرة فأصيب بالذعر. وقرأ وقرأ وهو يزداد بعد كل قراءة ذعرا، حتى التصق بعد كل ذعر تضاؤلا. وألتصق من شدة تضاؤله بجلدة الأرض .تخيّل نفسه حدبةً بلا ظهر. نقطة ضحلةً في بِركة وحل. تمنى لو ان وحله طحلبٌ. تلك أمنيته المقدسة التي انتابته أنئذٍ. وساورته أمنيته بندبة خوف، ما انفكت ان تحولت الى ارتعاشة. رأى نفسه يتمايل في رفيف الستأئر ببرق خاطرة تقدح كومض الشعر” كأن بشارة القيامة في افواه المخبرين…” قال كلمته الأخيرة وتلفّت يمنةً ويسرى. واصطنع لهذيانه احساس الحكمة…الذي تحول الى فزع؛ دفعه لاقتناع فكرة التخلص من هذا الركام بحكمة النار. وفعل عود ثقاب صغير ما فعلته قريحة الشعر بعشرين عاما. وحمد الله على حسن الخاتمة، وانقضت الحكمة بمعاقبة نفسه من احاسيس حاجته للافطار صباح يومه التالي.

تعليقات