منبر حر لكل اليمنيين

وصايا أردشير

33

“عهد أردشير”.

كتاب فارسي يحتوي على وصايا في السياسة والمُلك منسوبة إلى أردشير بن بابك بن ساسان (توفي 242م)، موحِّد إيران بعد عصر “ملوك الطوائف” ومؤسِّس الدولة الفارسية الساسانية التي انتهت بالفتح العربي بعد سنوات من وفاة كسرى أنوشروان آخر ملوكها العظام.

في هذا النصّ الرهيب، المكتوب بأناقة وبراعة، تتجلى ما يمكن أن نسميها بـ الروح الفارسية في السياسة، وأبرز سماتها مزج المُلك بالدين، الدين بالسياسة، والمماثَلة بين مقام المُلك ومقام الإله.

وهي الروح التي يقال أنها انتقلت بالعدوى إلى المجال العربي الإسلامي خصوصاً مع الدولة العباسية.

إذ كان بعض خلفاء بني العباس يتدارسون نصوصا مختلفة من الحكمة المأثورة من العهد الساساني، وعلى رأس هذه النصوص “عهد أردشير”.

[هل يذكركم هذا العنوان بما يسمى “عهد علي لمالك الأشتر”؟!]

من الواضح أن النظرية التي يطرحها أردشير مبنية على إدراك للطابع الخطير والمزدوج للدين في علاقته بالمُلك: فالدين مفيد بل ولا غنى عنه عند تأسيس المُلك، لكن في نفس الوقت “لا شيء أقوى على الإطاحة بالمُلك من الدين”.

هذا الإدراك نابع من تجربة تاريخية مريرة عاشتها بلاد فارس.

أما الحل الذي اقترحه أردشير لهذه المعضلة، فيتلخص في إسباغ لون ديني لاهوتي على منصب المَلك يمكنه من إخضاع الدين لسلطانه، فهو وحده المكلف بحراسة الدين وسياسة الدنيا.

والغرض من هذا التدبير يتمثل في منع إمكانية ظهور ازدواج في السلطة بين رجلين داخل مملكة واحدة، لأحدهما السلطة على الأجسام وللآخر السلطة على الأرواح والنفوس.

ومما يقوله أردشير: “واعلموا أنه لن يجتمع رئيسٌ في الدين مُسِرٌّ ورئيس في المُلك مُعلِن في مملكةٍ واحدة قط إلا انتزع الرئيس في الدين ما في يد الرئيس في المُلك”.

فهو يعتقد جازماً أن رجل الدين إذا أتيحت له فرصة منازعة المَلك سلطانه، سيكون أقدر على التغرير بالناس وتأليبهم على الملك بالتباكي وتهييج العواطف “فكان بالدين يحتج، وللدين، فيما يَظهرُ، يغضبُ، فيكون للدين بكاؤه وإليه دعاؤه، ثم هو أوجد للتابعين والمصدقين والمناصحين والمؤازرين.. لأن بُغضة الناس هي مُوكَّلة بالملوك، ومحبتهم ورحمتهم مُوكَّلة بالضعفاء والمغلوبين”.

ولذلك يوصي أردشير أعقابه من الملوك الساسانيين أن لا يسمحوا لرجال الدين بادعاء الغيرة على الدين أكثر منهم، “ولا ينبغي للملك أن يعترف للنساك والعباد والمتبتلين أن يكونوا أولى بالدين ولا أحدب عليه ولا أغضب له منه”.

هل القيم والأخلاقيات السياسية التي يتضمنها “عهد أردشير” جيدة أم سيئة؟

لا أدري.

لا يجب أن تكون إما جيدة أو سيئة.

بالنسبة لي قرأته بحياد دون حُكم مسبق.

آخذاً بالاعتبار أنه نص تاريخي قديم يعكس مزاج عصر بعينه في مكان بعينه وحضارة بعينها.

قرأته مثلما أقرأ كتاب السياسة لـ أرسطو أو مقدمة ابن خلدون أو الأمير لـ ميكافيلي أو اللفياثان لـ هوبز.

سيتبادر إلى أذهانكم أن النظام الذي أسسه الخميني في إيران هو التجسيد المعاصر والحي لـ عهد أردشير.

لا أوافق على ذلك.

فالذي حدث عام 1979م هو ما حذّر منه أردشير بالذات، عندما وجد رجل الدين الخميني فرصة سانحة للانقضاض على الملك بتهييج عواطف الناس، كانت النتيجة إخضاع الدولة لسلطان الفقيه رجل الدين، وليس العكس، أي إخضاع الدين ورجال الدين لسلطان الدولة.

لم أفهم من “عهد أردشير” دعوة إلى حكم ديني بالمعنى الحرفي والمباشر للكلمة، فالملك يظل ملكا، لكنه يُوصي بانتحال صفة القداسة لمقام المَلِك، وذلك من قبيل الاحتراز السياسي في مواجهة القوة الهدامة التي يمكن أن يمثلها الدين على الدولة.

  • نقلا عن نيوزيمن
تعليقات