مأرب.. نحو تجسيد مبادئ التسامح والأخوة.. والوفاق خير من الاختلاف.!
ونحن في هذه الأيام المباركة وقبيل حلول شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا وعليكم باليمن والخير والبركات، وكل عام وانتم وأبناء الامة العربية والإسلامية بخير، وكل عام واليمن العزيزة بخير، وكل عام ومأرب بهية المدائن وأرض الخير، وقلعة الصمود والسلام في خير ورفاهية وآهلها الطيبين.
لكني و جدت نفسي مضطراً في طرح هذا المقال بعد نقاش عميق وشفاف بالأمس مع أحد أبناء مأرب الخيرين والمحبين لمأرب، وهو من أحد الناس المميزين والناجحين في أعماله الخاصة، والكريم والشهم والمحب لمأرب وأهلها وللوطن اليمني العظيم، ولأعمال ومبادرات التنمية لمأرب، وحلمه مثل كل واحد منا مخلص لمأرب بأن يرى مأرب مزدهرة واهلها في خير وسلام.
هذا ما دفعني لإعادة التوقف واستخلاص ما يمكن أن يحقق الفائدة، فنحن كأبناء محافظة ومجتمع محلي، وفي ضل ما يمر به الوطن، والمنطقة والاقليم من حولنا من اهتزازات جيوسياسية واقتصادية، فإنه من واجباتنا كمجتمع أن نحافظ على هويتنا وعاداتنا الحميدة والقبلية السامية، اقتداء برسولنا الكريم صلى الله علية وسلم الذي قال: “إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق”، ويجب أن نشيع من مبادئ الاخوة والتسامح، والأخلاق الفاضلة فيما بيننا كمجتمع وقبائل ابتداء من إصلاح الفرد والأسرة ثم القبيلة والمجتمع بشكل عام.
وعلينا أن نتكافل ونتعاون في كل الأمور التي تهم مجتمعنا ومحافظتنا وان تكون هناك مرتكزات ونقاط التقاء ومبادئ ثابتة تهم مجتمعنا، لا نختلف عليها وان نساعد بعضنا البعض كل من موقعة ودوره، فالمسؤولية علينا جميعاً، واذا كانت هناك أي مبادرات خير من أي طرف منا، مهما كان توجه أو انتماءه يجب أن نعينه في تحقيق أي هدف نبيل لمصلحة الجميع، وأن نتسامى عن الجراح والاختلافات البينية عندما يكون الهدف مأرب ومكانتها ومستقبلها كمجتمع في بناء وإنجاح تلك الأفكار النبيلة التي تخدمنا وتخدم مجتمعنا.
الخصومة والشحناء هي المشكلة العميقة في مأرب ولو فكرنا لا أدركنا أننا مجتمعاً وأفراد وسلطة، فإن هناك ضرورة لكي نبتعد عن الخصومات والتباينات السياسية، وأن لا تضيق صدورنا، إذا اتجه أي طرف لإصلاح الوضع في مأرب تنموياً أو من خلال الدعوة لمكافحة الفساد في أجهزة ومؤسسات الدولة، وأن تكون صدورنا وقلوبنا تتسع لبعضنا البعض ورحبة لتقبل وجهات النظر فيما بيننا، دون الخدش الشخصي أو المساس بكرامة أي أحد منا، كما يجب علينا تشجيع ومؤازرة من يتبنى أي مشروع خيري أو تعليمي أو صحي أو أي مرفق يفيد مأرب وأبناءها، وأن يكون المجتمع ايجابياً مع تلك المبادرات الهامة والسامية، والسعي لإنجاحها وأن لا يسعى البعض لأعاقتها من باب العناد والخصومة ودوافع الغيرة والحسد، وأن لا نتحول إلى معاول هدم نكسر بعضنا بعضا، لأن هذه المبادرات هي التي تفيد وتصب في مصلحة المجتمع المأربي بشكل عام ومباشر.
كما يجب علينا إفشاء السلام فيما بيننا، وحتى لا تضيع مبادئ المروة بيننا كعرب وكمسلمين، كما ورد في الحديث الشريف، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».
هناك فرصة لنستغل شهر رمضان كمحطه إيمانية، نراجع فيها تصرفاتنا وواجباتنا نحو ديننا ونحو بعضنا البعض، لأن الله خصنا في كتابه العظيم قال عنا كعرب ومسلمين في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..}” ، كما روي عن عبدالله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنه: أن رجلاً سأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف».
ففي هذه الوصية ذات القيم النبيلة يشير نبينا صلى الله عليه وسلم، إلى كل سبب يثبت المحبة بين المسلمين والتي هي أيضاً سبب لدخول الجنة، ولأن السلام شعيرة من شعائر أهل الإسلام جعلها الله تحيتهم فيما بينهم، وجعلها من حقوق المسلم على أخيه المسلم، كما يجب أن لا نسيء إلى من يحسن أو نحسن إليه في تعاملاتنا وعهودنا وان لا نخذل بعضنا بعضاً، وأن لا ينطبق علينا المثل السائد ” أتق شر من أحسنت اليه ” فالحكمة الكامنة وراء هذا المثل تعني أنه يجب علينا، أن نكون حذرين وواعين لتصرفاتنا وتعاملاتنا، وعندما نتعامل مع الآخرين، حتى وإن بدوا صادقين في تصرفاتهم تجاهنا وعدم استغلالها.
فمأرب وآهلها الطيبين والبسطاء، والأشداء على العداء أمانة في أعناقنا جميعاً كل من حسب موقعه ومكانه، فمأرب العز هي جبهة الحرية وبيرق نصر العرب الخالد، فها هي صمدت وضحت لإنها افشلت المشاريع التي تستهدف الجمهورية، وتريد اعادة مأرب لواقع ما قبل التأريخ وإن كثر اعداء مأرب سواء من داخلها أو ممن يحشد ضدها، فهي مشدودة ببأس شديد صلب لا ينكسر، وستبقى ملاذاً لكل من احتمى بها واليها، كما أن الله حباها وحبى آهلها عبر مراحل التاريخ، بإن يجدّدوا أمجاد تاريخها العريق، وسفر نضالها ومجدها الخالد التليد، و لتسطير ملاحم العزة والصمود، وما هو مهم هو أن نجتمع على مصلحة مأرب العليا لأن الوفاق خير من الفراق، لك البقاء يا مأرب الغالية في قمة النصر يا قبلة الأحرار وشعلة النضال.
ومن منطلق إيماني العميق بالله عز وجل وبحكمة وعقول ابناء مأرب، من أن مأرب حتماً ستمر وستنتصر، والويل لمن عبث بمأرب وبمقدراتها وأحلام شبابها، فالتاريخ يسجل ولا يرحم! يا مأرب العز حتماً ستمُر الأيام رغم مرارتها، وسيأتي العوض من الله بطريقة تُبهج القلوب وكل عام وانتم بخير وشهر كريم.
فمأرب هي قلعة اليمن ككل ،وهي المدينة التي كانت ترفض دوماً أن تكون بعيداً عن المشروع الوطني، وظلت ملتزمة بقواعد ما ترسخ في واقعها السياسي والتاريخي ،من خلال ضمن حرية الجميع لما فيه والوقوف في وجه أي مشاريع، تحاول أن تدمر تجربتها الفريدة والموروثة في القيام ضمن المصالح العليا لليمن.
مأرب هي اليمن بكل ما فيها، وهي الدولة التي بلغت أقصى المساحات في الشرق والغرب، وهي النظام الذي تأسس على الحداثة والشورى والقوة، منذ أن برزت دولة سباء العظيمة، وكان جوهر وجود هذه الدولة هي الأصالة والقومية الجامعة لكل اليمنيين.
*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الإستراتيجية.
9 مارس 2024.