التجريب بمن تنازل عن قضية مأرب خطأ مرتين..!!
في خضم أحداث ما سمي بالربيع العربي، اختار العديد من أبناء مأرب وناشطيها وشبابها من عدة أطراف سياسية متعددة ومستقلة، إلى تبنى مطالب لأبناء مأرب وأسموها في تلك المرحلة التي سبقت مؤتمر الحوار الوطني “بالقضية المأربية”.
أكبر خطأ ارتكب في تلك المرحلة عند الإعداد لقضية مأرب ومطالبها هو سيطرة فروع أحزاب اللقاء المشترك، وجناح من حزب المؤتمر في مأرب الذي كان في الحقيقة يعمل من تحت الطاولة وفق تنسيق مع احزاب اللقاء المشترك في مأرب، بعيداً عن طموحات ورغبات كوادره ومنتسبيه في قيادات المؤتمر بمأرب، بل أن قيادات هذه الاحزاب تصدرت المشهد وهذا ليس من اختصاصاتها وركوبها للموجه مع شباب القضية في تلك الفترة ، بل تم عملية سلق القضية المأربية ، والتنازل عنها ووضعها في الأدراج لمدة 11 عاماً، بعد ان اتفقت قيادات تلك الاحزاب والسلطة المحلية بمأرب، وبعض الناشطين مقابل فتات من المال والمصالح والمناصب طيلة هذه المدة.
في تلك الفترة مرت مأرب بظروف صعبة واستقطابات سياسية حادة، خصوصاً بعد وصول حزب الإصلاح لقيادة السلطة المحلية والذي تبنى نهجاً عنيفاً ولا زال من الإقصاء والانتقام لمن لا يتفق معه، أو كان منتسباً للنظام السابق كما يدعون، والذي كانوا يدعونا كذباً ولا زالوا أن هم جزء رئيسي وفاعل منه .
ولكنها حكمة الله التي قال الله عز وجل عنها في كتابه الكريم (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” )، فبعد وصول حزب الإصلاح بمأرب للسلطة تحالف مع كل الاحزاب المحلية، تحالف لا يخدم مأرب وأبنائها أو تنميتها، وانما لتقاسم مصالح ومناصب مقابل شراء صمت ضمائر قيادة تلك الاحزاب، عما يحدث من اختلال مالي واداري وسياسي واقتصادي والذي لم تشهده مأرب من قبل.
وأنا هنا افترض حسن النوايا، فكلنا شاركنا في خلق تلك الفكرة أو القضية من أجل أن تستعيد مأرب حقوقها الضائعة ،والذي كان السبب في ضياعه اولاً هو اختلافنا كأبناء محافظة فيما بيننا سياسياً ، وثانياً لأن مراكز الأحزاب في مأرب هي من تحرك دومين اللعبة في مأرب مع احزاب المركز العليا، وساهمنا وشاركنا كغيرنا من اجل أن تأخذ مأرب نصيبها العادل من السلطة والثروة ، وتم اعداد وثيقة القضية المأربية، وادخلت في مؤتمر الحوار الوطني ولكن ليس في مستوى القضايا الأخرى التي اعطيت حيز من الاهتمام والمشاركة، بل أنه تم استخدام تلك المطالب والقضية لابتزاز السلطة المركزية من قبل سلطات مأرب الحاكمة.
وبعد 12 عاماً من الإقصاء والتهميش، والعبث بالمقدرات الاقتصادية في مأرب، وبعد أن قدم أبناء مأرب كل التضحيات للدفاع عن الجمهورية في المعركة الوطنية، مع أبناء اليمن لاستعادة الدولة وصد زحف الإمامة الجديد، قامت سلطة مأرب مؤخراً بتحرير سعر البنزين المنتج من مأرب محلياً في شهر ديسمبر الماضي 2023، وقوبل ذلك بالرفض من قبل أبناء مأرب لأنهم يشعرون أن ثرواتهم تنهب أمام أعينهم، وأنه ليس هناك إصلاح اقتصادي كما تدعي حكومة وسلطة الشرعية، فما كان من أبناء مأرب بكل مكوناتهم الاجتماعية والقبلية إلا رفض ذلك والانضمام لتلك المطارح السلمية احتجاجاً على رفع الزيادة السعرية، والمطالبة بحقوق أبناء مأرب في السلطة والثروة ومحاسبة الفاسدين من خلال تشكيل لجان اقتصادية من قبل رئاسة الجمهورية والحكومة، ويشارك فيها أبناء مأرب للوقوف على حقوقهم واستعادة أموالهم المسلوبة، وتشكيل مكون اجتماعي وقبلي بعيد عن النخب والأحزاب التي اضرت بالوطن ومأرب لوضع مصفوفة مطالب تنموية جامعةً لكل ابناء المحافظة.
وبعد أن حققت مطارح مأرب بالعرقين زخماً محلياً وإقليمياً، ووصل صوتها الصادق للداخل والخارج للمطالبة بحقوق أبناء مأرب بكل مديرياتها ، فقد حاولت بعض القوى المحلية كسر إرادة وعزيمة رجال تلك المطارح وإغرائهم، ولكنهم رفضوا وتمسكوا بمبادئهم التي من اجلها قدموا شهداء وجرحى، عندما تم الغدر بهم وهم في مطارحهم السلمية من قبل القوى المتربصة بمأرب.
وبدأت سلطات مأرب تشعر بالخطر على وجودها السياسي وما مارسته من فساد واقتراب ساعة محاسبتها، فقامت بإحياء “القضية المأربية” التي هي من عطلها، لأسباب سياسية واجتماعية ومن باب المكايدة ولكي تخلق شرخ مجتمعي حتى لا يجمع أبناء مأرب على حقوقهم ومطالبهم التي كفلها الدستور والقانون، وتحاول قيادات احزاب المشترك وقيادة المؤتمر التابع للشرعية وسلطة مأرب والذين هم جزء من المكتب التنفيذي بالمحافظة، وبعض شباب القضية المأربيه بإعادة تبني مشروع القضية المأربية بعد 12 عاماً من التغييب والضياع، والدعوة لتشكيل مكون مضاد لمكون المطارح التي تمثل أبناء وقبائل مأرب، وبعد سقوط 12 مديرية بيد الحوثي، فقضية مأرب اليوم تختلف عن الأمس من حيث المطالب ومن حيث الزمان والمكان.
ومن هنا فإننا ننصح شباب القضية المأربية المتحمسين لقضية مأرب ومطالبها بالابتعاد عن هذه النخب الحزبية التي جعلت من قضية مأرب، وكأنها ماراثوناً حزبياً وسياسياً مقابل التقرب من سلطة مأرب لأسباب مادية وشخصية، ولأنها جزء من منظومة الفساد القائمة، وتحاول حرف بوصلة مطالب أبناء مأرب واحداث شرخ مجتمعي حتى تضيع كل القضية، ولكننا نوكد هنا أن أبناء مأرب وقبائلها ومن خلال مطارح مأرب بالعرقين التي تبنوها واجمعوا عليها كل مشايخ قبائل مأرب ومثقفيها وسياسييها، وأعضاء مجلس النواب وشبابها قد شبوا عن الطوق، ولن يتنازلون عن مطالبهم مهما عمل الحاقدون والمتآمرون، وستبوء محاولاتهم الخائبة بالفشل والخسران.
ضياع قضية مأرب هو اعادة بعض القيادات الانتهازية التي تركت مأرب وعملت من أجل مصالحها، واستخدمت مأرب لأغراض رخيصة وآنية، فالذين استخدموا مأرب طوال هذه الفترة دون أن يعملوا من أجلها وتهربوا من أعادة هذه القضية، وكانوا شركاء في العبث والفساد والمحاصصات ونهب ثروات مأرب، وهم الذين يتحركون الآن لإفشال مطالب المأربيين في استعادة حقوقهم وتحرير قرارهم ،وجعل مأرب ضيعة خاليه من عبث الاحزاب والقيادات الفاشلة التي حولت هذه المحافظة لتكون أسيرة لمشاريع فسادهم وعبثهم.
مأرب اليوم بحاجة إلى توحيد صفها وليس الي العبث بها وتمزيق مجتمعها ونسيجها القبلي والمجتمعي فالمخاطر والتحديات التي تحاك في الخفاء ضد مأرب كبيرة، ويجب أن نكون جميعاً على قدر من المسؤولية والتحديات القائمة، وأن تكون مصلحة مأرب فوق كل شيء.
*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الإستراتيجية.
7 مارس 2024.