من هم البلوش الذين يتصدرون قوائم الإعدامات في إيران؟
في أعلى حصيلة منذ عام 2015 نفذت السلطات في إيران حكم الإعدام بحق 834 شخصا خلال 2023، وكان اللافت حسبما وثقت منظمتان حقوقيتان، في تقرير حديث، أن القسم الأكبر من المستهدفين هم من أفراد الأقليات العرقية، وبالتحديد البلوش.
منظمة “حقوق الإنسان في إيران” ومقرها النرويج، والتحالف العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، ومقره باريس قالا الثلاثاء إن “البلوش يشكلون النسبة الأكبر من الذين تم إعدامهم، لإدانتهم في قضايا مرتبطة بتجارة المخدرات”.
وجاء في تقريرهما أن “167 شخصا على الأقل من هذه الأقلية جرى إعدامهم في 2023، أي ما نسبته 20 بالمئة من إجمالي عدد أحكام الإعدام المنفذة”.
وعند قياس الرقم الخاص بالإعدامات مع عدد أبناء البلوش سرعان ما تثار التساؤلات عن تفاصيل الحالة التي يعيشيونها. فمن هم؟ ولماذا تستهدفهم السلطات بالإعدامات على نحو أكبر؟
اتهمت المنظمتان طهران باستخدام عقوبة الإعدام “كوسيلة لبث الخوف في الداخل” في أعقاب الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد في الأشهر الأخيرة من عام 2022، بعد وفاة الشابة مهسا أميني، إثر توقيفها من قبل شرطة الأخلاق على خلفية عدم التزامها بالقواعد الصارمة للباس في إيران.
وقال مدير منظمة حقوق الإنسان في إيران، محمود أميري مقدّم، إن “زرع الخوف المجتمعي هو الوسيلة الوحيدة للنظام للتمسك بالسلطة، وعقوبة الإعدام هي أداته الأكثر أهمية”. واعتبر أن عدد الإعدامات في إيران لعام 2023 “حصيلة هائلة”.
من هم البلوش؟
مجموعة من القبائل التي يمتد تواجدها بين إيران وباكستان وأفغانستان، بحسب موسوعة “بريتانيكا”، ويعتنقون الإسلام السني ويتحدثون اللغة “البلوشية”، التي تعتبر من أقدم اللغات للمجموعات الهندية الإيرانية.
وتشير الدراسات إلى أنهم كانوا من البدو الرحل ينتقلون مع حيواناتهم لمسافات طويلة ولعدة قرون، واشتهر العديد منهم بالتجارة، وإلى الآن يتوزعون بين الدول الثلاث المذكورة.
ورغم أن قصصهم عابرة للحدود إلا أنها تأخذ صبغة قاسية في إيران، التي يقيمون في جنوبها حيث موطنهم الأصلي في محافظة “سيستان وبلوشستان”.
المحافظة تقع قرب الحدود مع أفغانستان وباكستان، وهي واحدة من أفقر المناطق في إيران، التي تسكنها الأقلية السنية.
ولطالما أشار نشطاء ومنظّمات غير حكومية إلى أنّ أبناء البلوش هناك يواجهون تمييزا من قبل السلطة الدينية في طهران، حيث يُقتل عدد منهم في اشتباكات مع سلطات إنفاذ القانون كل عام، أو يُدانون أو حتى يُعدَمون.
ويوضح الخبير في الشؤون الإيرانية، حسن راضي أن “البلوش أحد الشعوب ضمن خارطة إيران السياسية، وإلى جانبهم الكرد وعرب الأحواز والتركمان وغيرهم”.
ويقول لموقع “الحرة” إنهم مستهدفون منذ زمن طويل من النظام الإيراني “بسبب حراكهم السياسي القومي وصبغتهم الدينية كونهم يعتنقون الإسلام السني”.
“النظام الإيراني ديكتاتوري وقمعي ويمارس الإعدامات والقتل بحق جميع الشعوب غير الفارسية في إيران”، على حد تعبير راضي.
ويضيف: “بالنسبة للبلوش فإن نضالهم من شقين: قومي وديني.. هم يطالبون بحقوقهم في كلا الضفتين.. وكذلك القمع ضدهم بذات الشقّين أي بسبب مطالبهم القومية ونزعتهم الدينية”.
“قمع منذ الخمسينيات”
يوضح كتاب “القومية البلوشية: أصولها وتطورها لتاج محمد بريسيك”، أن البلوش في إيران واجهوا قمعا قاسيا منذ خمسينيات القرن الماضي، حظرت خلاله اللغة وحتى ترديد الأغاني البلوشية.
ويشرح أن البلوش الإيرانيين كانوا ينظرون إلى أنفسهم “كأمة مستقلة”، خلال عهد شاه إيران، وحتى بعد سقوطه في 1979، عندما بدأوا تحركا في مواجهة النظام السياسي في طهران، لتبدأ بحقهم سلسلة جديدة من “التمييز والاضطهاد” شملت جميع نواحي الحياة، الاقتصادية والاجتماعية.
وتقول “حملة الناشطين البلوش”، التي تركز على انتهاك حقوق المواطنة البلوشية في إيران في تقرير لها أن حوالي 50 بالمئة من الشعب البلوشي في المحافظة الجنوبية لإيران “ليس لديهم وثائق”.
وتوضح أنه يتعين عليهم إجراء “اختبار الحمض النووي” للحصول على شهادة ميلاد.
ولأنهم لا يملكون “القدرة المالية على دفع الملايين” مقابل الاختبار، يتم إيقاف قضية إصدار شهادة ميلادهم في المراحل الأولى، وفق الحملة الحقوقية.
وتضيف أنه، ورغم فحص إقامتهم الطويلة ولهجتهم وملابسهم الخاصة “فمن السهل التعرف على أنهم إيرانيون.. ولكن يبدو أن حكومة جمهورية إيران الإسلامية تمنح حقوق المواطنة للبلوش السنة أقل من حقوق المواطنة للفرس الشيعة بسبب جنسيتهم ودينهم”.
“محطة مهسا أميني”
الحملة ذاتها التي تركز على الانتهاكات التي يعاني منها أبناء الأقلية تشير إلى أن جهاز الأمن والقضاء في إيران، الذي أعدم العديد من الأشخاص البلوش من قبل، اتجه خلال الفترة الأخيرة إلى تسريع إعدام السجناء البلوش بعد الاحتجاجات التي خرج بها أبناء الأقلية.
ومن بين أبرز الاحتجاجات تلك التي خرجوا بها بعد حادثة اغتصاب شابة خلال احتجازها لدى الشرطة في أكتوبر 2022 وفي أعقاب مقتل مهسا أميني في سبتمبر من العام ذاته.
وفي الأولى قُتل 131 شخصا على الأقل في حملة القمع التي شنتها السلطات الإيرانية ضدهم، وفقا لمنظمة حقوق الإنسان في إيران غير الحكومية ومقرها أوسلو.
وسجّلت معظم هذه الوفيات في يوم واحد في زاهدان، فيما أطلق عليه اسم “الجمعة الدامية” حين اتهمت جماعات حقوقية قوات الأمن بإطلاق النار عشوائيا على المتظاهرين.
ووفق منظمة “العفو الدولية” كانت قوات الأمن الإيرانية قد شنت حملة بلا هوادة ضد المحتجين والمصلين من الأقلية البلوشية المضطهدة في مدينة زاهدان في محافظة سيستان بلوشستان.
ويورد تقرير للمنظمة في مارس 2023 أن قوات الأمن لجأت إلى الضرب المبرح، والاستخدام غير القانوني للغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، ونفذت اعتقالات تعسفية جماعية، ومارست الإخفاء القسري، إلى جانب التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة”.
ووجد التقرير أدلة على التعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، لانتزاع “اعترافات” قسرية.
ونقلت المنظمة عن مصادر أن أحد المعتقلين البلوش، إبراهيم ناروي، كان لديه إبر عالقة في أعضائه التناسلية، وورد أن آخر، وهو منصور دحمرده، تعرض للضرب المبرح لدرجة أن أسنانه وأنفه كُسرت.
“صدامات مسلحة”
ولا يقتصر المسار المرتبط بالبلوش على ما سبق فحسب، بل يذهب في المقابل إلى حد الانخراط في المواجهة المسلحة مع قوات الأمن الإيرانية.
ويعتقد الباحث الإيراني المعارض حسن راضي أنه “كلما زادت الخلافات بين البلوش والنظام الإيراني والمطالبة بحقوقهم كلما زاد القمع وحملات الاعتقال”.
ويشير إلى أن “تصاعد الإعدامات والانتهاكات المستمرة يرتبط بجزء مسلح يوازي الحركة السياسية والدينية”، مضيفا أن “هذه الحركة في بلوشستان تقوم بين فترة وأخرى بتصفية قيادات الحرس الثوري الإيراني”.
وفي أكتوبر 2022 كان إقليم بلوشستان شهد اشتباكات مسلحة قُتل فيها 20 شخصا بينهم ضابطان كبيران في الحرس الثوري، وأكدت وكالة تسنيم للأنباء حينها بأن جماعة “جيش العدل” السنية المتمردة أعلنت مسؤوليتها.
و”جيش العدل البلوشي” يعتبر من أبرز التنظيمات المسلحة في بلوشستان غربي إيران”، حسب ما يوضح علي رجب، المتخصص بالشأن الإيراني في حديث سابق لموقع “الحرة”.
ويضيف أن هذا التنظيم يسعى إلى “استعادة دولة البلوش التاريخية التي كانت تعرف باسم (خانية كلات)، التي ظلت بمثابة دولة للبلوش حتى عام 1839 عندما أخضعت للسيطرة البريطانية، وتم تقسيمها بين باكستان وإيران وأفغانستان”.
وكانت الجماعة المسلحة قد ظهرت في عام 2012 من رحم تنظيم جند الله، وهي امتداد للتنظيم الذي أسسه عبدالمالك ريغي الذي أعدمته طهران في 2010، وفي 2016 انضم لهذا الجيش ما يعرف بـ “جيش النصر”، بحسب رجب.
وتصنفها الولايات المتحدة الأميركية على قوائم الإرهاب، فيما تتهمها إيران بالارتباط بتنظيمي القاعدة وداعش.
وكشف الباحث رجب سابقا أن التقديرات لعدد أفراد الجماعة تتراوح بين 1000 إلى 2000 مقاتل، وأغلب تسليحها خفيف، ويعتمد على تهريب السلاح من أفغانستان، إضافة للأسلحة التي يحصل عليها في الاشتباكات مع الحرس الثوري وقوات الحدود الإيرانية.