حرب الغرب وإيران في البحر الأحمر يدفع ثمنها اليمنيين والعرب
يجمع المراقبين للأحداث التي مرت بها اليمن منذ 9 أعوام وما يحدث اليوم نتيجة أحداث وحرب غزة من حرب للسفن في البحر الأحمر، بأن تصنيف جماعة الحوثيين كجماعة ارهابية تأخر كثيرًا، وكان يمكن تصنيف الحوثي كجماعة ارهابية منذ سنوات الحرب الأولى، وذلك بعد قيام جماعة الحوثي باستهداف اليمنيين وحصار المدن وقطع الطرقات، إلى جانب ارتكابها تجاوزات وانتهاكات واسعة أدت لمقتل الكثير من المدنيين.
عودة امريكا مؤخراً لوضع الحوثي كجماعة ارهابية يجعل الحلول التي تؤدي للسلام غير ممكنة..!، فخلال السنوات السابقة ضغط الغرب للحفاظ على وجود الحوثيين كطرف سياسي، كما أن أمريكا وقفت ضد أي حرب قد تقضي على مساحة سيطرة الحوثيين، وبالفعل توقفت الحرب مع التدخل الغربي لمنع توسع الحرب وذلك لحماية الحوثيين من السقوط، وظل الحوثي يقوم بنشاطه تحت الحماية الدولية مما جعله يعقد الحلول الداخلية ، وظلت اليمن تعاني تمزقاً سياسياً واجتماعياُ مع استمرار الحوثيين برفض الحلول والخيارات السياسية والتفاوضية.
بعد كل هذه السنوات تدرك امريكا أنها ارتكبت خطاء فادح وبدأت بتحديد الأولويات السياسية لها في اليمن، فبعد أن تأخرت أمريكا في تصنيف الحوثيين لسنوات، اتجه الرئيس ترامب لتصنيف الحوثيين كمنظمة ارهابية، لكن إدارة بايدن الحالية رفعت هذا التصنيف في فترات سابقة، في محاولة لتشجيع فرص السلام والحوار في اليمن وعادت إليه مؤخراً بعد أن فشلت كل الحلول، وسياسات القوة هي ضمن خيارات أمريكا، وهذا تحديداً سيكون مقدمة لخلخلة واقع الحوثيين كطرف سياسي، وستقود السياسة الأمريكية الجديدة توجهاً جدي لمنع أي اتفاق مع الحوثي في حال استمرت الحوارات لإنهاء الحرب بعد هذا التصنيف، عدم التزام الحوثيين بإيقاف مهاجمة السفن وتهديداتهم المستمرة بتهديد الملاحة الدولية غير من قواعد اللعبة، الحوثيين أظهروا تشدداً في اخضاع مصالح العالم السياسية والاقتصادية لخياراتهم في ظل منع حركة السفن والتجارة الدولية.
فالحوافز السياسية والاقتصادية والتفاوضية للحوثيين والتي أرادت أمريكا القيام بها فشلت، وبعد أن عجزت التحركات الدولية لثني الحوثي عن تهديد الملاحة والتجارة العالمية في البحر الأحمر، مع تصاعد وتيرة الهجمات الحوثية المستمرة هذا أدى في النهاية لتدخل عسكري جوي محدود، ونفذت أمريكا عشرات للغارات الجوية في العديد من المحافظات اليمنية التي تخضع لجماعة الحوثي، وكلما أعلن الحوثي عن ضربات للسفن التي تمر عبر البحر الأحمر، قامت أمريكا وبريطانيا بردة فعل لتقوم بغارات لمناطق ساحلية ومعسكرات تتبع الحوثيين.
استراتيجية أمريكية جديدة تبرز وقد تتوسع وذلك وفقاً للتصورات الأمريكية المعدة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وفي حال اتخذت أمريكا قرار تحجيم الحوثي فإنها لن تمنحه العديد من الفرص، وستتجه لزيادة خطط مواجهته واضعافه إلى جانب التضيق عليه وعلى أنشطته الاقتصادية والعسكرية، وعدم السماح لقياداته في التحرك بحرية وحجز الأموال التي يسيطر عليها الحوثي، ويقوم ينقلها للخارج ضمن السياسة الحوثية لاستثمار تلك الأموال، لزيادة توسيع إمكانية الجماعة ضمن تحالفات اقليمية مع ايران والجماعات ذات النهج الأيديولوجي.
جماعة الحوثي تتهرب من الحوار الداخلي وليس لديها الرغبة لتحقيق السلام، وذلك في ظل تشددها في عدم قبول العديد من الالتزامات، وتذهب الجماعة لتزيد من توسيع أنشتطها العسكرية، هذا ينعكس على الوضع اليمني، ومقابل عدم ابدأ الحوثي أي مرونة فإن خيارات العديد من الدول قد تتغير خاصة الدول التي تبدي موقف ثابت، وهذا قد يدفع تلك الدول لتحديد أكثر السياسات تصلب وتشدد مع الحوثي، وذلك لمواجهة الدور الايراني في البحر الأحمر، حيث أن تراجع مرور السفن وزيادة تكاليف التأمين وارتفاع اسعار السلع، وتضرر مصر مع انخفاض واردات قناة السويس، سيبلور استراتيجية سياسية وعسكرية واقتصادية اقليمية ودولية لإضعاف سيطرة الحوثي وتعزيز سياسة مواجهته.
ردة الفعل المحتملة ستكون في مواجهة عسكرية واسعة ،وذلك بعد أن ظهرت مخاطر التهديدات الحوثية والتي جاءت بعد مهاجمة السفن، وتهديد المرور للسلع والبضائع والنفط الذي زاد واصبحت الهجمات الحوثية تؤثر وحققت اصابات واضرار على السفن، و بعد أن فرضت جماعة الحوثي نوع من الاعتراض للسفن ونقل السلع و دون أن يتراجع الحوثيين عن استخدام البحر الاحمر والملاحة الدولية لخدمة خطط ايران، وهذا كان لهذه الهجمات تأثيرها على ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين وتضرر العديد من شركات النقل البحري، التي بدأت تخشى من أن يكون عبورها من البحر الأحمر هو مجازفة كبرى.
لا شك أن تصنيف جماعة الحوثي هو بداية لتبلور سياسات ردع عسكري وسياسي واقتصادي، تعكف عليه الدوائر العسكرية والسياسية الغربية والأمريكية، وهناك نقاط اختلاف ونقاط اتفاق حول السياسات التي يجب اتخاذها لإضعاف الحوثيين وربما اسقاطهم، ولكن قبل أي تدخل عسكري فإن الأمريكيون أحسوا بالدور الايراني الكبير في تسليح الحوثيين والاشراف على تدريباتهم، واعترفت أمريكا بوجود خبراء من الحرس الثوري وهناك معلومات استخباراتية تقوم إيران بنقلها لمهاجمة السفن.
التدخل الغربي في اليمن هو أحد الخيارات المطروحة أمام القيادات العسكرية الغربية والأمريكية، وهناك تدخل في المناطق الساحلية في الحديدة والصليف وميدي، ولن تجازف أمريكا بالتدخل في المناطق الجبلية وربما ستكون هناك قوات يمنية هي من تتولى مهاجمة معاقل الحوثيين الداخلية بالمدن اليمنية.
العقوبات الأمريكية وتصنيف جماعة الحوثيين جماعة ارهابية سينعكس على حياة كل اليمنيين اقتصادياً ومعيشياً، كما أن مهاجمة الحوثيين للسفن سيؤدي على تأثر اليمنيين وارتفاع اسعار السلع وعدم السماح لأي سفينة للاقتراب من السواحل اليمنية، كما أن الحوثي بنشاطهم هذا العنيف والذي يقومون به في البحر الاحمر صار يهدد الوضع الاقتصادي والمالي اليمني ومنطقة الجزيرة العربية، والحوثيين هم بذلك يريدون فرض زيادة حصار عليهم كسلطة وعلى اليمنيين سواء في مناطق سيطرتهم والمناطق التي لا تخضع لهم، وهذا يوحي بتعقيد أزمة اليمن، والصعوبة في ايجاد حل أزمة اليمن مما يقوض مسارات السلام، وفي الأخير قد تتحول الحرب إلى حرب أهلية طويلة الأجل في اليمن، وربما اخضاع اليمن لحرب جديدة تكون ذات تأثير وبعد دولي واقليمي.
*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الإستراتيجية.
29 فبراير 2024.