إب.. الفوضى السمة التي ترسم صورة المحافظة.. جرائم بالجملة وانتهاكات مخيفة
تقرير عن جزء بسيط من الانتهاكات وجرائم القتل داخل المحافظة
تعددت جرائم مليشيا الحوثي بحق اليمنيين، على امتداد مناطق سيطرتهم منذُ إسقاطهم للعاصمة صنعاء في 21 من سبتمبر2015، وقد مثلت الجرائم أبشع صور الانتهاكات من قتل وسجن وتفجير لمنازل المواطنين والخصوم ودور العبادة، حيث كشفت منظمات حقوقية يمنية عن ارتكاب الحوثيين انتهاكات جسيمة في محافظة إب، بينها حالات إعدامات وقتل خارج القانون، واعتقالات وتعذيب ومصادرة ممتلكات خاصة، ورصدت التقارير العديد من التجاوزات بحق المواطنين.
تلك التجاوزات أدت إلى احتقان واسع على مدار السنوات الماضية، ما يؤشر بانفجار الوضع في أي لحظة خاصة مع بروز العديد من الظواهر وتردي الحالة الاقتصادي والمعيشية في المناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيا عموما ومحافظة إب على وجه التحديد.
الموت في كل مكان
في نوفمبر الحالي قُتل قائد ما يعرف بقوات التدخل السريع التابعة لميليشيا الحوثي ( أبو طارق النهمي) غمدان جميدة، مع ثلاثة من مرافقيه أثناء حملة نتج عنها اشتباكات مع مواطنين تعتقد المليشيا أنهم مطلوبين أمنيين ينتمون لأسرة بيت الطويل، وقد قُتل في الحملة نفسها صدام الطويل وأخيه.
لم يتوقف الأمر عند هذا فقد قامت المليشيا بترويع المواطنين من أبناء المنطقة وأسرة بيت الطويل وقاموا بتفجير منزل الأخير، بعد أن قطعوا عنهم مياه الشرب واعتقلوا ما يقارب 60 مواطنا بينهم نساء واطفال، وقد جاءت الحادثة بعد ساعات من مقتل عنصر حوثي وإصابة آخر، إثر خلافات على الجبايات في إحدى نقاط التفتيش في المحافظة نفسها.
في نوفمبر الجاري تعرض المواطن (جميل محمد العزب) لإصابة خطيرة جراء إطلاق الرصاص من قبل مسلحين يتبعون المشرف الحوثي (صخر صادق حمزة) والمعين مدير لأمن مديرية مذيخرة داخل إحدى الأسواق، بعد رفض العزب إعطاءهم جبايات، تبعها بساعات عثور المواطنين على (مالك حسن سنان حاجب) من قرية منزل مشعر عزل الروس ريف إب مقتولا تمام الساعة ال 2 فجرً من قبل أشخاص مجهولين.
الفوضى سمة المحافظة المنكوبة
الأربعاء 21 فبراير 2024م عنصر حوثي يدعى هيثم محمد علي العشاوي من قرية عظالم مديرية (يريم) يقوم بإطلاق النار على 4 نساء هن عمته لزوجته التي فارقت الحياة أثناء تقديم وجبة الغداء ويصيب عمته لوالده وزوجته وابنته بجروح خطيرة قبل أن يقوم بالفرار بالطقم التابع له ليتم القاء القبض عليه ووضعه في الحجز.
ويعزو الكثير ذلك التصرف إلى التعبئة الطائفية من خلال الدورات الثقافية ومحتوى ملازم حسين بدر الدين الحوثي المؤسس للجماعة، والذي يكرس في أذهانهم مبدأ القتل لكل من يخالف مبدأ العبودية والانصياع لأوامر قادة الميليشيا التي توفر الحماية المطلقة لكل من ينتمي إليها ويعمل تحت سلطتها، ما شجع الكثيرين على الالتحاق بها وممارسة القتل والنهب بشكل شبه يومي بحق أبناء محافظة إب على وجه الخصوص.
خلال السنوات الماضية اتسعت شهية الحوثيين تجاه الأراضي الأمر الذي أنذر بكارثة تستوجب من خلالها إعلان محافظة إب “محافظة منكوبة”، حيث كانت المؤشرات تتجه صوب أكبر عملية نهب وتغيير ديموغرافي داخل المحافظة وهو مخطط له بحسب كثير من المراصد والناشطين نتيجة أهمية المحافظة جغرافيًا واقتصاديا.
في 2022 حدثت اشتباكات مسلحة بين بندر العسل مدير مكتب الأوقاف والعرجلي، والتي سقط فيها قتيل من أسرة الأخير وعدد من الجرحى، نتيجة خلاف على أرض مساحتها (7500) قصبة، قبل أن يتدخل القيادي في الميليشيا عبدالكريم الحوثي والذي عمل على احتواء الموقف لأن طرفي الصراع من محافظة عمران.
تفجير منزل أسرة الطويل
جرائم بالجملة وأحداث مؤسفة
وثقت تقارير حقوقية، ارتكاب ميليشيا الحوثي أكثر من (3519) جريمة وانتهاك في محافظة إب وسط اليمن، من الفترة 1/ يناير/ 2020م، وحتى 30/ مارس/ 2023م، وأكدت التقارير الصادرة عن الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، تورط ميليشيا الحوثي بمقتل (213) مدنياً من مختلف المديريات، بينهم أطفال ونساء وكبار سن، وإصابة أكثر من ( 189) بينهم (9) أطفال و (8) نساء و (8) مسنين، فضلاً عن الاعتداءات بالضرب والسحل والتمثيل بجثث الضحايا، وتعاني المحافظة من همجية المتحوثين والمشايخ الجدد الذين نصبهم الحوثي لخدمته، كما تعاني من المشرفين القادمين من خارج المحافظة الذين يسيطرون بشكل كبير على كل مفاصل ومؤسسات الدولة والقطاع الخاص ويعبثون بالنسيج الاجتماعي والأراضي.
وتسعى الميليشيا وبشكل حثيث إلى فرض شخصيات وكيانات دخيلة على المحافظة للسيطرة على عدد كبير من أملاك المواطنين، يقول أحدهم: “هم يبحثون عما يعتبرونه أملاك أجدادهم من (الأئمة) بدليل أنهم عطلوا العمل بالقضاء في هذا الجانب واتجهوا إلى النهب والصراع بعيداً عن الجهات المعنية”.
ولا يتوقف نهب الأراضي والممتلكات، بل تجاوز ذلك إلى غياب السلم الاجتماعي وتزايد حوادث القتل والانتحار، وصراع غير متكافئ بين نافذين ومواطنين مسالمين، في ظل سلطة محلية ضعيفة حل مكانها مشرفون من خارج المحافظة التي تشهد أكبر عملية نهب أراضي وثروات في تاريخ البلاد.
تقاسم المناصب وتفريخ الفوضى
تتصاعد وتيرة الفوضى ونهب الأراضي داخل المحافظة ومحيط المدينة وسط غياب الجهات الرسمية والمؤسسة الأمنية الرسمية، حيث تم استبدال الكثير من الكفاءات، وتفعيل الترضيات من خلال تعيين ما يقارب (20) وكيلا للمحافظة، معظمهم يشكلون تضخم وظيفي لا أكثر وبطالة مقنعة، حيث يدير المحافظة مجموعة تعمل في دائرة مغلقة مرتبطة بالعاصمة صنعاء ليس من بينهم المحافظ عبد الواحد صلاح الذي يغيب معظم الأوقات وفي أحلك الظروف.
عمد الحوثي منذ اللحظات الأولى لاحتلال المحافظة على ترويع المواطنين، وفرض حلقة أمنية شديدة من خلال استغلال الحاضنة الطائفية لبعض الأسر الموالية، لتصبح المحافظة ذات الأهمية الاستراتيجية والبشرية شبه معزولة عن عدسات الإعلام وقنوات التلفزة، والتي تحدث فيها عشرات التجاوزات والاشتباكات وسقوط عدد من القتلى، كما يتم الاعتداء والتهجم على عدد من المدارس والمنازل وممتلكات المواطنين بشكل شبه يومي.
في 31/ ديسمبر/ 2023م قتل الشاب رمزي نور الدين برصاص مسلح حوثي وسط المدينة خلف فندق ” الفخامة” بالدائري الغربي، بسبب خلاف على شجرة القات، هذه الواقعة تأتي ضمن عشرات الوقائع المماثلة نتيجة انتشار واسع للسلاح والمسلحين الذين تسببوا بسقوط عشرات الضحايا الأبرياء.
في أواخر العام نفسه قتل حاتم الحيدري ومحمد عبد محمد الزيادي داخل سوق شعبي برصاص مسلح تابع للميليشيا نفسها، كان قد أطلق النار بشكل عشوائي في مفرق حبيش التابع إداريا لمديرية المخادر في مدينة إب، والضحية (الزيادي) بحسب المعلومات هو نجل المواطن (عبده محمد الزيادي) الذي سبق وأن قتل في أكتوبر/ 2019م برصاص مسلحين حوثيين داخل فسم الشرطة في ” مفرق حبيش”.
وفي الـ 28 من أكتوبر/ 2023م أقدم مسلح حوثي على قتل التاجر (عبده علي أحمد الهادي) داخل متجره في جولة سوق السبت بمنطقة السحول، ولاذ بالفرار إلى جهة مجهولة، فيما عثر مواطنون بعد ساعات قليلة من هذه الحادثة على جثة شاب في إحدى عبارات السيول.
وفي أواخر العام الماضي 2023 قَتل مسلح حوثي الشاب إبراهيم حسن محمد شعلان سائق دراجة نارية من أهالي قرية الرضائي بالعدين، وقد وقعت الحادثة في منطقة مفرق “وادي الدور” بمديرية العدين غربي المحافظة، وكانت المعلومات قد أكدت أن العنصر الحوثي يتبع القيادي الحوثي (أبو حسين الهاروني).
وفي أواخر العام نفسه سقط 3 قتلى وجرحى باشتباكات مسلحة في منطقة الوراق القريبة من مدينة القاعدة جنوب إب في خلاف على أرض، من جهة أخرى أقدم عنصر حوثي على قتل أحد اقاربه يدعى (زيد القفري) نتيجة خلافات فكرية وانتقاد الضحية للأوضاع المعيشية التي خلقتها مليشيا الحوثي، وقد تم ذلك أمام أولاد القفري وأسرته في منطقة السَّبل غربي المدينة.
إدانات واسعة ولا حياة لمن تنادي
لقيت الجرائم الحوثية في محافظة إب إدانات واسعة، من قبل الحكومة والمنظمات الحقوقية، التي اعتبرت أن ما يقوم به الحوثي بحق أبناء المحافظة، جرائم حرب تستوجب المحاكمة، واعتبرت المنظمات الدولية والحقوقية جرائم الحوثيين في هذه المحافظة، بأنها استنساخ لتلك الجرائم الإنسانية التي شهدتها عدة دول في القرن الإفريقي، وبأنها امتداد لمسلسل الإرهاب المتجذر في سلوك وسياسية هذه العصابة الإجرامية.
وأكدت تقارير حقوقية، أن ما تقوم به المليشيا من جرائم حرب خطيرة في مدينة إب يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، مؤكده أن هذه الممارسات تشكل انتهاكاً للقوانين الدولية التي تجرم استهداف المدنيين وتدعو إلى اتخاذ كافة التدابير الممكنة لحمايتهم.
من جهة أخرى أدان المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) في تقرير له، تلك الجرائم، مؤكدًا أن استمرار ميليشيا الحوثي في سياسة الانتقام من الأفراد عبر تفجير منازلهم يعد جريمة مكتملة الأركان تستوجب محاسبة القائمين عليها، معبرًا عن قلقه من استمرار العنف والقتل في مدينة إب الخاضعة لسيطرة الميليشيا.
وكان المركز قد أكد، أن ما تقوم به المليشيا من المخالفات الخطيرة والجرائم التي تنتهك قواعد القانون الدولي، مشيرًا إلى أن تلك الممارسات تعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مطالبا مليشيا الحوثي باتخاذ خطوات عاجلة لوقف ممارساتها الانتقامية بحق المدنيين وضرورة ضمانها لسلامة السكان والممتلكات وفقا لما نصت عليه اتفاقيات جنيف وقواعد لاهاي، خاصة السياسيين والمعارضين، حيث تتعمد إلحاق الأذى البليغ بأهم مقومات الحياة وهو (المسكن) من أجل إرهاب المدنيين.
في 28/ أكتوبر/ م2023، تعرض أطفال ونساء للاعتداء من قبل مسلحين حوثيين واتلاف ممتلكات والعبث بالمحتويات واعتلاء سقف المنزل من قبل عناصر ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، باقتحام منزل المواطن (رائد محمد الصايدي) في مديرية الشعر شرق إب، قبل أن تطلق الرصاص الحي وتعتدي على طفليه وتختطفهما وعلى النساء الذين حاولن منعهم.
وفي 20/أكتوبر/ اقتحمت الميليشيا منزل الناشط (صلاح البعوم) في مديرية النادرة وأعتدت على والدته المسنة في العقد ال70 وشقيقه وشقيقته التي كانت في زيارة لوالدتها وقد تعرضت للإجهاض بحسب شهود عيان ومقربين، وعلى النساء والأطفال المتواجدين بداخل المنزل، بقيادة (معمر وأنور الميموني)، كل ذلك بتهمة أن الناشط الذي لم يكن متواجدًا نظم حفلًا بمناسبة (ثورة 26 سبتمبر).
جرائم أسرية واعتداءات خارج القانون
في 14/ أكتوبر/ 2023م، أقدم الشاب (مراد الحوشي) على قتل والدته وشقيقته وإصابة والده في قرية (ظهرة مليع) مديرية حبيش نتيجة خلافات أسرية تعكس الوضع الأمني والمعيشي لمعظم الأسر اليمنية في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.
وكان مواطنون وتقارير حقوقية قد أشارت إلى تزايد انتهاكات الميليشيا في المحافظة ومدن أخرى، وارتفاع منسوب الجرائم بمختلف أنواعها، وانتشار العصابات والمسلحين وقطاع الطرق في أغلب مديريات المحافظة، نتيجة التدهور المستمر للحالة الأمنية.
وقد أقرت الميليشيا بتسجيل 4 محافظات خاضعة لسيطرتها بأنها محافظات لم تعد آمنه والتي سجلت نسب عالية من الجريمة المنظمة خلال 30 يوماً بعدد 1855 جريمة جنائية بمختلف أنواعها من بينها محافظة إب التي تتكون من 22 مديرية.
وتنوعت الجرائم بين القتل والسرقات ونهب الأراضي والاقتحامات والخطف والتقطع، وسط تقاعس من قبل الأجهزة الأمنية التي يشرف عليها قادة حوثيون.
وبحسب مصادر حقوقية، فإن الحرب النفسية التي تقوم بها ميليشيا الحوثي تجاه المواطنين والتي يروج لها عناصرها، فاقمت من ارتفاع معدلات جرائم القتل في ظل عرقلة القضاء، والعجز عن توفير لقمة العيش وتفشي حالة الفقر المدقع وانعدام مصادر الدخل، حتى أصبح القتل والموت سمة المحافظة وشكل من أشكال الحياة اليومية التي يعيشها المواطن.