منبر حر لكل اليمنيين

من نافذة غرفتي، في القرية

32

من نافذة غرفتي، في القرية، أتأمل شجرة الرمان العارية، وأتأمّل نفسي فيها..
الشجرة في متناولي.
ها أنا في المَهَب، المهب العاصف.. أتأمل كل شيء، وفي جعبتي عاصفة من المعاني والتساؤلات والهموم الكبيرة..
شجرة الرمان لن تظل عارية، عما قريب تكتسي وتزهر..
لديها أمل، ولها روح مفعمة بالمحبة..
سأتعلم منها فلسفة العطاء، وفن العيش بلا كراهية ولا حسد ولا تشاؤم.
لا تزال في مكانها، ترتجف، تتمايل غصونها الجرداء، والريح مستمرة..
أنا يا أمي لا أنتهي، لا أتلاشى، وإنما أنمو بطريقة غير مألوفة، بل أحاول أن أعيش مثلك، بسيطًا جدًا.

حرًا أجوب ببصري فيما حولي من عوالم وأشياء وكائنات، وأبتسِم بلا يأس.. إني أتأمل، والتأمل حق، والحق لا يضيع..
أبحث عني في الحرية، في المحبة، في نفسي، في الكلمات أيضًا.

وأنا صغير طائش بريء، أحببتُ حجرًا صغيرا، وتعلق قلبي به، وعندما كبرت أحببتُ الصخرة كاملة، ولا أقصد الصخرة التي حملها سيزيف على ظهره إلى الأبد..
الآن أنتظر أمطار الصيف، فيما الريح العصوف لا تكف عن العبث، ولكني أحب الريح أيضا، وأحتويها بجوارحي..
سأقول شيئا.. سأصمت.. سأمشي في الفراغ على أطراف قلبي..
آه يا شجرة الرمان.. آه يا حياتي..
هل للحياة معنى بدون الحرية؟
هل لها معنى مع انعدام الإحساس بالفرح والأمل والأمان؟ وما جدوى حياة إنسان لا يعيش إلا خائفًا أو يرتجف أمام كل شيء؟
وهل هناك شيء أبشع من ذاك الخوف الذي يمنع الإنسان من أن يرفع رأسه، أو من أن يُغنّي أو يرقص أو يحلم أو يتقدم بعض خطوات إلى الأمام؟
إن كلماتنا المرتعشة من الخوف لا تعني شيئًا.
وهذه حياتنا الفارغة من النقاء والنور والرقص والتسامح ليس لها معنى غير الضحالة والتلاشي والغياب..
لا شيء يدمر حلاوة الحياة، ويفرغها من مضمونها إلا الخوف من الحرية، أي الخوف من الحياة ذاتها.

ماذا تعني الحرية: اليقظة أم الغيبوبة؟ الكلام أم الصمت؟ الحياد أم الانحياز؟
الشجاعة أم الارتجاف؟
التحدي أم الفرار؟
الالتزام أم العبث؟
وما جدوى أن يكون المرء حرًا، أو صوفيًا، أو وطنيًا، أو أي شيء؟
وما معنى أن يشعر الإنسان الحر، الإنسان المتحرر من كل القيود والبشاعات.. ما معنى شعوره بأنه وحيد وغريب في مجتمعه أو على هامش العالم؟
وهل نبحث عن الحرية في الحرية أم نبحث عنها في المحبة؟
ولدي غيرها من الأسئلة غير الصالحة للطرح والتداول السريع..
إنما الحرية مَحبة.. درّبوا أنفسكم على المحبة، حاولوا أن تغرقوا في مياهها الصافية العذبة.
سأحب نفسي أولا، كي يكون بمقدوري أن أحبكم جميعا، وأحب الحياة بكل ما فيها من اضطرابات وأسرار..
لست حرًا لكنني موجود، موجود أمام شجرة الرمان، وأمامها أتكلم مع الله..
آه، كم أحبك يا الله!
أنت حر يا أخي، إذن أنت موجود.
نعم، أنا حر، وموجود الآن وهنا.
وهذا أنا، وهذه قريتي.
وفي القرية، المحبة مُمكِنة أكثر، وهذا هو المُهم.
ودائمًا في المهب أعيش، وأنمو.

تعليقات