الشراكة الملغومة
للتاريخ لم ينتصر الإقليم في حربه على ميليشيا الحوثي خلال تسع سنوات، بل انتصر عندما ذهب سفيره إلى صنعاء، وجمع رأس الافعى والذيل في مقاربة جعلت الحزن في اليمن، ومجالس العزاء في المنافي، يقول وزير الخارجية السعودي بأن الاتفاق بين الشرعية والحوثيين بات قريباً وعلى وشك الإعلان عنه، السلام الذي يتحدث عنه الوزير في الإقليم وليس في اليمن، إنها الحرب شمرت عن ساعدها وستقرع طبولها شئنا أم أبينا، ولا يوجد شيء اسمه سلام في ظل وجود الحوثي إلا إذا شاب الغراب، في زمن الحرب كل شيء تغير، حتى خفي حنين لم يعد مفصل على مقاس الضعفاء فقط، ها هو اليوم جاء مفصل على مقاس الحوثي، فيما الشرعية مازالت غارقة بالبحث عن مقاسها.
لا يُهمنا كيف تجري رياح السياسة لأن سفينتنا تم بيعها ووضعت الأيادي مع الأيادي وصرنا في فم الخسارة، فهمنا كل شيء متأخرين، نحتاج فقط البقاء بعيداً عن تلوث المواقف والصراع الطويل الذي نال من الوطن والمواطن.
في منطقة ملتهبة كمنطقتنا العربية، والتي أصبحت اليوم الساحة الرئيسية للصراعات الدولية، يبدو أننا بحاجة ماسة أكثر من أي فترة ماضية إلى ردم الهوة التي تسببت في فجوتها المباحثات الإقليمية على مدى تاريخ الصراع، والتي تمخض عنها فرض القاتل الحوثي حاكماً علينا وبصيغة ناعمة أسموها الشراكة، وهي في حقيقة الأمر محاولة للهروب من مستنقع الحرب في اليمن إلى فضاء أوسع بعيدًا عن تحمل أعباء الحرب وتبعاته، مما قد يصنع تجربة فريدة من شكل الصراع القادم بالداخل اليمني، ويمكن الانطلاق منه نحو إعادة إنتاج نموذج صراع سياسي يزيد من هذا الالتهاب الشديد الذي من المفترض أنه كان يجب معالجته قبل الحديث عن أي شراكة قادمة.
على مدى سنوات ظل الحوثي يتعامل مع الهدن كصفقات استسلام وليست هدن، وظل يخرق الهدن بشكل مستمر مما أفشل مساعي السلام وتسبب في فقدان الثقة لدى جميع الأطراف.
إن التعامل مع جذور المشكلة في اليمن، كجزء من استراتيجية شاملة لإنهاء الصراع في اليمن، لن يتم في حال الشراكة مع الحوثي، حيث أن الميليشيا مسؤولة عن معظم جذور المشكلة من خلال انفرادها في سيطرتها على جزء كبير من البلاد بطريقة استبدادية، واستخدامها المفرط للقوة ضد معارضيها، الأمر الذي ساهم في صراع مسلح ومن ثم تحول إلى بيئة خصبة للتطرف، وهذا يعود لعدم رغبة الحوثي الجادة في إيجاد حل سياسي للصراع في اليمن.
إن انعدام أي مبادرة من طرف الحوثي لبناء الثقة مع معارضيه، يجعل من الصعوبة تخيل كيفية تحقيق مبدأ السلام، كما يمثل بقاء الحوثي شريكاً في الحكم وجزء من عملية السلام الذي بشر بها الوزير السعودي هزيمة شخصية لأهم الفاعلين الإقليميين، وبعض الفاعلين الدوليين الذين أتوا على رأس تحالف عربي ودولي للقضاء على ميليشيا الحوثي رافضين في ذاك الوقت أي مساعي سلام، وكانت تصريحاتهم دائماً ما تُبشر بقرب تحرير البلاد ومعانقة صنعاء التي ما زالت بعيدة.
لقد بلغ مستوى العداوة بين ميليشيا الحوثي والعديد من الأنظمة الإقليمية درجة من التعقيد يصعب معها تخيل فرص نجاح أي عملية شراكة بينه وبين القوى المعارضة، خاصة وأنه ينظر إلى معارضيه بأنهم عبارة عن أدوات لهذه الأنظمة ومن الصعب فهم كيفية بناء الشراكة بينهما، فبنية الميليشيا مغلقة وتفتقر إلى المرونة، وهنا تمكن المشكلة.
كما أن إيجاد حل سياسي مستدام للصراع في اليمن، ومشاركة ميليشيا الحوثي في الحكم يبدو غاية في السخرية، فالحوثي لم يبدي خلال فترة الحرب أي محاولة جدية للتواصل مع أي طرف من معارضيه، بل على العكس مازال مستمر في قتل وتعذيب وملاحقة معارضيه وسجن معظم النشطاء السلميين، وقادة الأحزاب، بالإضافة إلى تهديده المستمر في تصفية خصومه الذين يصفهم بالفارين.
وهنا أسلط الضوء على ملف في غاية الأهمية وهو ملف النازحين في الداخل والخارج، وهو ملف يشكل أحد أولويات المجتمع الدولي حيث بلغ عدد النازحين إلى ما يقارب نصف سكان اليمن، ومن غير المرجح أن يعود معظم هؤلاء إلى مناطقهم في حال الشراكة مع الحوثي لعدة أسباب أهمها: الخوف من الاعتقال والملاحقة من قبل أجهزة ومخابرات الحوثي والميليشيا التابعة له، ناهيك عن عدم الاستقرار الأمني في معظم مناطق سيطرته، وهذه الأسباب كفيلة بأن تجعل عملية السلام والشراكة مع الحوثي محل مخاوف كبيرة لدى غالبية اليمنيين، خاصة أن لا وجود لضمانات بعدم ملاحقة العائدين.
غالباً ما يقال أن السياسة والأخلاق لا يجتمعان وذلك لتبرير القرارات السياسية الاستراتيجية التي تتعارض مع المعايير الأخلاقية العامة، كما أنه من المرجح أن يتم استخدام نفس العبارة في تبرير التعاون مع ميليشيا الحوثي على اعتبار أنه الخيار الأقل سوء، لكن هذا التبرير يغفل مسألتين أساسيتين: أولهما أن الحوثي مُستبد ضعيف غير قادر على تنفيذ الشراكة أو الالتزام بما سيتم الاتفاق عليه، أما المسألة الثانية فهي متعلقة بأن هناك خيارات أخرى أقل سوءً من الحوثي، لكنها تتطلب جهداً أكبر من انتقاء أسهل الخيارات المتاحة، فالحوثي كان ولازال المشكلة كلها وإسقاطه هو بداية الحل.