آثار الحرب في اليمن والجرائم الإنسانية
يدخل اليمن عامه العاشر وهو يئن تحت وطأة الحرب العبثية التي دمرت البنية التحتية والاقتصادية وحولته لبلد إقطاعيات يتقاسمه حفنة من المرتزقة والمأجورين، وألحقت به أضراراً جسيمة بنسيجه الاجتماعي والثقافي، هي حرب ضد القيم والمبادئ والعُرف القبلي، حرب لجرف الهوية الوطنية، يسعى أطراف الصراع فيها على إجهاض أي مساعي للسلام، ويعملون على توجيه الضربة تلو الأخرى لكل القوى الحية في مناطق سيطرتهم، وإفراغ البلد من الأصوات الحكيمة والنخب المتزنة التي رفضت الالتحاق بركب هذه الحرب ووقفت إلى جانب اليمن قضية وشعب، الأمر الذي يكشف حقيقة أن هذه الحرب أتت لتصفية حسابات قديمة لأنظمة إقليمية في اليمن ولإجهاض طموح الشعب اليمني في نظام مدني ديمقراطي تعايش معه اليمنيين لثلاثة عقود، حققوا فيه الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في الحقوق والواجبات.
إن كل يوم يمر علينا في ظل هذه الحرب العبثية، يؤكد لليمنيين قاطبة أنها تمثل تهديداً حقيقياً لكافة شرائح المجتمع اليمني، وأن استمرارها قادنا إلى تفتيت وحدة اليمن ووضع مصير اليمنيين تحت رحمة الميليشيا وتجار الحروب والمنتفعين في شمال الوطن وجنوبه.
إن الواقع المرير الذي تمر به البلاد يزداد تعقيداً مع استمرار الحرب ويفرض على القوى الوطنية المخلصة في الداخل والخارج العمل الجاد لإيقاف الحرب ونزيف الدم اليمني، وكذا التدمير الممنهج الذي يستهدف في المقام الأول النظام الجمهوري وأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر.
وكما هو معلوم للجميع فإن الحروب العبثية والصراعات الداخلية لا تخلو من جرائم الحرب والإبادة، حيث أن انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية ترتكبها جميع الأطراف المتصارعة تقريباً، وهو ما جعل تحقيق العدالة في اليمن منعدمة، ويكاد يكون مستحيلاً ملاحقة مجرمي الحرب، ويتطلب ممن استهدفتهم هذه الحرب الشجاعة والقوة للتحدث عن ضحاياهم الذين تم قتلهم على أيدي أطراف الصراع المحليين والإقليميين، والمُساءلة حول الفظائع الجماعية المرتكبة في عموم محافظات الجمهورية، والتي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين.
إن غياب دور محكمة العدل الدولية عن جرائم الحرب والإبادة والاغتيالات في اليمن يُعد أمر في غاية الخطورة، خاصة وأن اليمن شهد في السنوات الماضية أفظع الجرائم الإنسانية في تاريخ البلاد التي وثقها خبراء يمثلون عدداً من المؤسسات الدولية المؤثرة والذي كان يهدف عملهم إلى إقامة قضاء دولي كوسيلة لمقاضاة مرتكبي الجرائم، بالإضافة إلى منظمات حقوقية عديدة، وصحفيين وعدد من الناشطين الحقوقيين.
إن العنف في اليمن لا يعتبر من الآثار الجانبية للحرب أو الصراع، العنف في اليمن إذا جاز التعبير هو بمثابة الحمض النووي السياسي لأطراف الحرب، ولذا فإن ملف حقوق الإنسان ليس ملف للمزايدات أو الدعاية، أنها إنسانيتنا، وهذا ما يتوجب علينا جميعاً القيام به إن كنا حقاً معنيين بهذا الأمر، ويجب علينا الحد من الإفلات من العقاب بشكل عام وفي اليمن على وجه التحديد.
على مدى عشر سنوات من الحرب في اليمن، كنا نشاهد يومياً في نشرات الأخبار حشود من الأجساد تكتظ بها المساجد والجنائز في الكثير من المدن والقرى اليمنية، أجساد مغطاة بخرق بيضاء تتمدد على أكتاف الناس، بلا حيل ولا قوة، منهوكة القوى بعد أن فارقت الحياة إما بقصف مدفعي وجوي، أو برصاص الميليشيات الممتدة على امتداد مناطق الصراع، لا وجوه ولا أسماء تُعيد هذه الصور والمشاهد، الجميع يفضل الصمت على أن يتحدث أو يذكرنا بمشاهد القتل الجماعي التي مازالت مشاهده للحظة أمام مخيلتنا، لم يبقى ما نراه أو نفكر فيه، أو نفعله، يبدو وكأنه يتعذر علينا وقف تدفق هذه المشاهد، التي تمر عبر ذاكرتنا بواقع أكثر عنفاً ووحشية.
ومع ردود الفعل تجاه الحرب في اليمن، تُشير بعض المواقف السياسية والتحركات إلى عملية مبدئية من إعادة التوجه السياسي لأطراف الحرب قيد الإعداد حالياً، وبالطبع من الملائم أن يتم طرح ملف الجرائم الإنسانية في اليمن ومحاسبة المسؤولين عنها قبل الحديث عن اي مساعي سياسية، غير أن النشاز في التصريحات الدولية فيما يخض ملف جرائم الحرب يبدو أكثر هدوء، ويظهر إلى أي مدى مازال المجتمع الدولي يُعاني من عجزه في صياغة رد واضح وحازم إزاء النزاعات العنيفة في بلد تكاد تكون الحياة فيه شبه أمنه، الأمر الذي قد يُفسر بوجود أكثر من جهة خارجية تعمل على طي هذا الملف، وارتهانها إلى أهداف مرحلية غالباً ما تتغير بوتيرة سريعة مع تغير مصالحها على الأرض وشركائها الدوليين.