الاعتقالات والسجون السرية ابتزاز وتربُّح وقمع لدى المليشيا
مهما كانت تُهمتك يظل الاعتقال في اليمن أسوأ مراحل الحياة، ومهما كانت طريقة الموت، الشيء الرئيسي هو عدم موتك بهذه الطريقة بين جدران زنزانتك وعلى مراحل بطيئة جداً، هذا ما يؤكده غالبية اليمنيين، إذ أن الموت وحده لا يكفي، وربما يكون أسرع الحلول للنجاة كما يروي بعض من تم الإفراج عنهم في صفقة تبادل بين ميليشيا الحوثي ومجلس القيادة الرئاسي، في 14 إبريل 2023، والذي حاول لعدة مرات محاولة الانتحار أو الموت بطريقة رحيمه تُعفي جسده والجلاد عناء الضرب والاستجواب.
نموذج مؤلم لقساوة الجلاد وتفكير الضحية
سلطان غالب تم اعتقاله في محافظة تعز _ منطقة_ الحوبان، في يناير بداية العام 2022م وهو في منزله، بحجة أنه ينشر أخبار مظللة، يقول مرت على ذهني صور الجثث التي تعرضت للتعذيب أثناء فترة اعتقالي، وكنت حينها قد تعودت على هذه المناظر وصراخ المعتقلين الذين يتعرضون لضرب مبرح كل ليلة، طيلة فترة اعتقالي لم يتمكن أحد من أهلي معرفة مكان اعتقالي، ولا يعلمون أني على قيد الحياة أم لا.
هذه صور لمشاهد تحدث في السجون الحوثية بشكل يومي، وتقدر منظمات حقوق الإنسان في اليمن أن عدد المعتقلين غير واضح وأن العدد المُعلن عنه والمقدر بـ 15 الف معتقل غير حقيقي، ونتيجة عدم إصدار أي مذكرة توقيف بحق هؤلاء وعدم إبلاغ عائلات المعتقلين، يصبح التوصيف الدقيق هو ” الاخفاء القسري” وليس المعتقلين، ويشكل الشباب والشابات العدد الأكبر من الذين تم اخفاءهم من قبل الحوثي في معتقلاته السرية، وبدأ الحوثيون بملاحقة من يعارضهم أو يخطط لاحتجاجات مناهضة لهم حين اجتاحوا العاصمة صنعاء وأسقطوها في 21 سبتمبر من العام 2014, وكلما زاد العنف بحق المواطنين من قبل ميليشيا الحوثي في خوض النزاع وساءت ظروف البلد، كلما أثر ذلك على الموظفين في المجالين الإنساني والطبي، مما أدى إلى سرعان تدهور حال البلد وتحول مؤسسات الدولة بأيدي ميليشيا الحوثي إلى غنائم ينهبونها ومقايل يجتمعون بداخلها لتوزيع المناصب وتقاسم المنافع المادية التي استولوا عليها بدعم خارجي وبتواطؤ داخلي يعلم الجميع دوافعه.
تحول مخيف في واقع الناس
بعد مرحلة إسقاط العاصمة صنعاء ودخول الرياض ومعها تحالف عربي ودولي في 25 مارس 2015, لشن ضربات عسكرية قيل أنها تستهدف معسكرات المتمردين، بدأت الناس تختفي من منازلها ومن الشوارع ومن نقاط التفتيش، وكان اختفاءهم إما بسبب الموت جراء قصف طائرات التحالف العربي وقصف مدفعيات الحوثي المتوالية على المدنيين، أو جراء الاعتقالات التعسفية التي تعرض لها الكثير من المواطنين في ذلك الوقت وفي عموم محافظات الجمهورية، ومنذُ ذلك الحين يستفيد الحوثي مادياً من تجارة الاعتقالات العشوائية التي راح ضحيتها أكثر الناس بؤساً.
حيث ظلت تلك الممارسات في تصاعد حتى مع ذروة المفاوضات بين أطارف الصراع والوسطاء، وتحذير المنظمات والتقارير المرفوعة والقصص التي تسربت للرأي العام، وأسماء الضحايا في مختلف المحافظات، الحديدة، ذمار، مدينة الصالح تعز، حجة، صعدة، صنعاء، إب، البيضاء، عمران، وقد شكل المعتقلين الذين شاركوا في بعض المواجهات حجر الزاوية، منهم من لا يزال حتى اللحظة مخفي تماما عقب انتفاضة (حجور) ومديرية (العود) وغيرها من المناطق التي حاول أبناؤها الدفاع عن أنفسهم وأعراضهم.
تجاوزت المليشيا كل القيم وضربت عرض الحائط بكل الثوابت والأعراف وانتزعت اعترافات من ضحاياها قبل وأثناء الاعتقال من الجنسين، وبعضهم قصر، حيث وصل الأمر إلى القيام بإعدامات جماعية كما حدث مع أبناء تهامة الذين تم اتهامهم بالتخطيط لاغتيال الرئيس (صالح الصماد).
العنف بدلًا عن السياسة إجراءات سيئة
تجري الاعتقالات في الوقت الحالي على نطاق واسع ويتم إحضار المعتقلين إلى السجون الرسمية المكتظة بالضحايا، ومن ثم إلى مراكز الاستجواب السرية التابعة لأجهزة المخابرات، ويُعبر هذا العدد المتزايد من المعتقلين عن جماعة تتخذ إجراءات غير قانونية ضد مواطنين أبرياء، ليس هذا فحسب بل يظهر كذلك تعويل هذه الجماعة على حل آمن لها يُساعدها من وجهة نظرها على البقاء أكثر، وهو العنف بدلاً من السياسة.
يوجد عدة طرق ” للاختفاء” في اليمن، على سبيل المثال، إذا جرى تفتيش منزل ما أو مكتب، يتم أخذ جميع الموجودين، ولا يتم إعلام عائلاتهم، وإذا تمكنت عائلة من معرفة مكان اعتقال أحد ذويها، من الممكن معرفة الجهة المسؤولة عن اعتقاله، من خلال معرفة الطرف الذي يُسيطر على المنطقة التي تم خطف الشخص منها، وتُحفظ المعلومات حول أي جماعة تُسيطر على أي أجزاء من المدينة في مخزن معلومات لكثير من اليمنيين، أو يمكن التحري عنها لاحقاً، وأكثر الاعتقالات شيوعاً وعشوائية في اليمن تحدث عند الحواجز الأمنية، وتتمركز هذه الحواجز عند مداخل القرى والمدن، والطرق الفرعية التي تتوسط غالبية المدن اليمنية.
أين يذهب ضحايا الاعتقال
بعد فترة وجيزة من الاعتقال يؤخذ المعتقلين إلى مراكز الاستجواب التابعة للميليشيا في عموم مناطق سيطرتهم على طريقة ” داعش والقاعدة”، يوجد فريق تم تدريبة على القيام بهذا العمل وكيفية طرق الاستجواب على أيدي ضباط في الحرس الثوري الإيراني، الذين اتوا لليمن لتأهيل وتدريب الحوثيين على العمل العسكري ومجالات أخرى، هذا الفريق يوجد في معظم فروع أجهزة الأمن التابعة للميليشيا، ويتألف من مدير قسم الذي يُعرف “بالمشرف” وضابط الشرطة والقائمين على عمليات الاستجواب، كما توجد سجون خاصة إلى جانب السجون السرية، هذه السجون الخاصة تتبع بشكل خاص قيادات حوثية متنفذه، يتم اعتقال فيها شخصيات مقربة وأحياناً شخصيات سياسية كبيرة، استجابة لأوامر توصف بالعليا، وهو سجن سيئ السمعة يُقال أن مكانه في صعدة معقل الحوثيين، ويتم نقل هذه الشخصيات إليه والتحفظ عليهم بداخله لمدة غير معروفة، وينتج عن هذه السجون الخاصة والسرية صور عديدة لأبشع مشاهد التعذيب والقتل خارج القانون كما فعلت داعش في العراق وسوريا.
في كثير من الأحيان تقوم ميليشيا الحوثي بإلقاء القبض على المواطنين وإبقائهم رهن الاحتجاز لأيام وربما شهور، ومن ثم يطلبون أرقام هواتف عوائلهم، ثم تبدأ عمليات الابتزاز، وطلب أموال طائلة من عوائلهم، ويتم سحب الأموال منهم على مراحل مقابل الإفراج عنهم، وعندما ينتهوا من سحب الأموال يتم تحويل المعتقل لسجن آخر في مدينة أخرى، كما حدث مع حازم صلاح الذي تم اعتقال شقيقة في مدينة تعز _ سجن مدينة الصالح_ في 13 اكتوبر من العام 2019م، بعد عام وثلاثة أشهر تم تحويلة للسجن العام في مدينة ذمار، ويقول حازم بأنه دفع ثمانية مليون ريال يمني مقابل الإفراج عن شقيقه، أي ما يعادل في ذلك الوقت 8000$ دولار، ويضيف بأن أحد المشرفين طلب منه هذا المبلغ ووعده بالإفراج عن شقيقه، وكالعادة نحن أمام جماعة لا تفي بالعهود ولا تتحدث إلا بالكذب وتتعايش معه بشكل مباشر.
تجارة رخيصة بأروح اليمنيين
هذا الأمر يشكل جزء كبير من تجارة الميليشيا الحوثية، فكلما كان عدد المعتقلين أكثر كلما زاد الدخل، وكلما كان المعتقلين حديثي الاعتقال كلما كان من السهل جني الأموال من عائلته، ونتيجة معرفتنا لما يحصل للمعتقلين، تكون العائلات دائماً على استعداد للدفع ولو اضطروا الى بيع منازلهم للحصول على المال مقابل خروج أبنائهم من معتقلات الحوثي، وبذلك يشترون الأمل المفقود بخروج أبنائهم، رغم علمهم بحتمية موتهم أو تأخير الإفراج عنهم
يروي بعض من كانوا في سجون الحوثي أنه يتم نقل المعتقلين من سجن لآخر بين فترة وأخرى، وأن حالة أغلب المعتقلين ممن يتم نقلهم من سجن لآخر مزرية، حيث أن أغلبهم وزنهم لا يتجاوز الأربعين كيلوغرام، ويضيف بأن رائحة السجناء لا تُطاق نتيجة التعذيب وعدم السماح لهم بتغيير ملابسهم والاغتسال، وكانت جروح المعتقلين واضحة جراء الحروق التي تعرضوا لها بسبب الصعق الكهربائي، بالإضافة إلى علامات السجائر التي كانت هي أيضاً واضحة في اليدين والصدر، وكانوا يتحفظون على هؤلاء كثيراً ويمنعون عنهم الزيارات، نتيجة للحالة التي هم عليها، لذلك استنتجت أن السجون الحوثية بمثابة وقفة على طريق المعاناة، كذلك الظروف أيضاً مروعة لكنها لا تقارن بتلك التي يتعرض لها المعتقلون.
ابتزاز للمواطن في ظروف معقدة وصعبة
مع نهاية العام 2023، وصل اقتصاد اليمن للهاوية، مليارات من الدولارات يخسرها اليمن في ظل وجود الحوثي، بل أن الاقتصاد اليمني في ظل الوقت الراهن أصبح مدمراً لكل مقومات الحياة، ليصبح اقتصاد في زمن الحرب مكون من الجريمة والنهب واللصوصية، وتجارة الأسلحة، وتجارة الاعتقالات التعسفية، فضلاً عن سرقة الإعانات وغيرها من المساعدات من قبل ميليشيا الحوثي، وقد ظهرت فئة معينة من المسؤولين في الجانب الحوثي وجانب الشرعية تمكنت من تحقيق الربح المالي في فترة وجيزة جداً، وهذا يعود لتفشي الفساد والابتزاز السياسي والأخلاقي الذي ينتهجه الحوثي والشرعية معاً، وهو قرار استراتيجي أتخذه كلا الطرفين في ضوء الظروف الحالية.
إن ما يشهده اليمن من اعتقالات تعسفية على مدى تسع سنوات تُعد معضلة أخلاقية لانهيار القيم والمبادئ المجتمعية، يتحملها جميع الأطراف في الداخل والخارج بما في ذلك مليشيا الحوثي الإرهابية التي سيطرة على جزء كبير ومهم من شمال اليمن ومقدراته، ومع ذلك يمكن لجميع الأطراف إيقاف هذا العبث بسهولة إذا قرروا ذلك..