*الواقفُ على الصَّدى (نص البرزخ)*
إليَّ وإلى أصدقائي في ذكرى رحيلي الدائمة.
في القبر
أتحسس جسدي جيدًا
أرتب سرير الإقامة محاذيًا الأبد بشكله النهائي
بالضئيل من ضوء العتمة،
أنظف روائح الموت المتسخة على كفني.
في الجوار بيوتٌ عشوائية الطين
تتناثر في عراء الخلد،
كأنها أجنحة شجر الميلاد منسية العزف
أو كأنها مدائحُ رقطاء تنزف الصبَّار على ساعة العدم.
جسدي مايزال دافئًا كأنه مات بعد حزنٍ ونصف
طريًا كما لو دُهِن بعرَق الصندل،
متشبثًا بهيكله
كأنه مطلي بدم الأخوين المجفف من لحاء الحرب.
مسامير الظلمة تُثبِّت روحي على حائط الكون الأخير
النسَّاجون يزرعون على أقطان قدميَّ الفراغ
أثرثر كمنسوجٍ جيدٍ يرتدي عمامة الغمام
وخلاخل الوقت المفقود من فكرة الانتظار.
ما الذي يفعله الموتى حين يكبرون
هل يذيبون الضوء في انعكاساتهم؟
أم مثلي يحاولون إيقاف حرارة أجسادهم المُتسربة إلى التراب!
لا.. لا شيءَ من هذا يبدو لافتًا أو مهمًا،
قلقي مايزال كافيًا
لتجاوز رحلة العدم الساخر من ضحاياه
رأسي مايزال يعمل أيضًا
كأنه عاد للتو من حفلةٍ راقصةٍ في يعاسيب النحل
يداي
تحصيان خيبات السبئيين ومَدَارِهَ العرم على مسامع الموتى
عيناي
تخبزان انتصارات المُسْنَد فوق رفات الأقيال
قدماي
تتحركان في فراغ بلقيسَ الصاخب خلف أعمدة الشمس.
أتسع أعوامًا كاللاشيء وتفاصيله تمامًا
ببطءٍ يقترب النمل الغارق في أدمغة الموتى
ويحاول التأقلم مع عروق الوقت
منزوعة النسيان في سرايا جمجمتي.
أبدو على ما يرام حتى الآن،
موتى يتقاسموني وبرزخي
يصدحون وراء قبورهم بنشيد خيبتي
فُرصٌ مفتوحة الكلام تتشبث بلحى الموتى
أقفاصٌ معبأةٌ بالعتَّالين تقفز إلى الجحيم
جحيمٌ متشردٌ ينام قيلولته على سرو المكان
أمكنةٌ تنط كالأرانب على درج السماء،
خطىً تنبشها سحائب الهدوء الخادع،
كصورٍ عالقةٍ على توابيت البرزخ،
يتبعثر الفقدان على سلالٍ لانهائية الحُمقْ.
وأنا وحدي واقفٌ على مسامير الصدى
كجيلٍ أخيرٍ كامل الصَّدأْ
أدرب الموتى على الضحك الكثير
أحميهم من لعنة الوطن العضال
أزاورهم على نعوش التمائم والحظوظ
وأحاول فقط،
أن أعود بهم إلى الحياة.
من مجموعة رغوة الضوء .. رغاء العتمة – صادرة عن منشورات مواعيد.
*من صفحة الشاعر في فيس بوك.