فبراير الأسود.. التاريخ سيسجل أنه كان كارثة
بين ماضي اليمن وحاضره المُعاش، يروي التاريخ كيف يتمرد اليمنيون على أوضاعهم المستقرة وحياتهم الهانئة، للذهاب نحو المشقة والعوز دون تفكير، وقصة أصحاب الجنة في القرآن الكريم، خير دليل، وكذا طلبهم في سورة سبأ الآية 19، بأن يباعد الله بينهم وبين أسفارهم، ﴿ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور﴾.
وما حدث في فوضى فبراير 2011، هي واحدة من تلك المصائب التي سعى إليها اليمنيون كي يستبدلوا حياتهم التي كانوا يعيشونها، بما هي عليه اليوم، فباتوا يعضون على أصابع الندم على عهدٍ كانوا فيه في نعيم مقيم، وواقع جحيم يعيشونه اليوم.
مفارقة عجيبة
وبعد مرور 13 عامًا على ذكرى نكبة 11 فبراير 2011، بدأت الحياة اليمنية بين مفارقة عجيبة بين محطة تاريخ عظيم سطرته ثورتا “26 سبتمبر 1962” ضد الحاكم المستبد، و”14 أكتوبر “1963، التي حققت لليمنيين الانعتاق من المستبدين في الشمال والمستعمر في الجنوب، وصولا إلى زمن الوحدة التي صحبت معها الديمقراطية، والمنجزات التنموية النوعية، والاستقرار في مختلف المجالات.. ظهرت دعوات الفجور والنكران للواقع من قبل تيارات تلبست بالدين واتخذته سبيلا لتحقيق أهداف مؤامرة جاءت على البلاد والعباد، انطلقت شرارتها من ساحات الفوضى في 11 فبراير 2011.
فسحة الماضي وعذاب الحاضر
وبين ماضٍ يصفه جميع اليمنيين بـ “الزمن الجميل”، وواقع مُعاش جاء على مقومات حياتهم المختلفة، يقف اليمنيون اليوم بين مقارنة الماضي والحاضر، رغم أن عوامل المقارنة منعدمة تمامًا.
فالماضي الجميل كان ينعم فيه المواطن اليمني بالكثير من المميزات التي تجعل حياته وحياة أسرته مستقرة ومطمئنة، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والمعيشية والاستقرار والأمن، وصولًا إلى توافر جميع الخدمات من “كهرباء ومياه، وصحة وتعليم، وحرية وحقوق”، والعديد من الخدمات والمميزات التي تتوج بتوافر عوامل الدخل، وصرف المرتبات شهريًا، مع العلاوات والمستحقات المالية المختلفة، بما فيها شبكات الضمان الاجتماعي.
وحين نقارن اليوم بالماضي فيما يتعلق بما ذُكِر، فإن اليمنيين، يطلقون حسرات الندم والألم، على ما فرطوا فيه من حياة، وكيف كانوا مخدوعين منجرين وراء شعارات أهلكت الحرث والنسل، وأوصلت البلاد إلى هاوية المجاعة، والأمراض، وانعدام الخدمات، وفقدان الأمن والاستقرار، وتقطعت بهم السبل في مفترق طرق الجماعات الإرهابية.
وتؤكد وقائع الحال المُعاش في اليمن، أنه لولا نكبة 11 فبراير والخروج للساحات لما كان حال اليمنيين كالذي يعيشونه اليوم، وما كان وصلت مليشيات الحوثي الإرهابية الإيرانية إلى ما هي عليه اليوم من غطرسة وبطش بحق اليمنيين، وتهديد للملاحة العالمية في البحر الأحمر.
سلع قبل وبعد النكبة
وفي هذا الإطار، تناول العديد من اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي، مقارنة بسيطة بين أسعار السلع قبل النكبة وبعدها، والتي سجلت مفارقات رقمية مخيفة وفارقًا ساحقًا، نورد بعضا من تلك السلع:
كان سعر عبوة القمح سعة 50 كيلوجرامًا قبل النكبة 3 آلاف ريال، واليوم سعره تجاوز الخمسين ألفا في عدد من المناطق الريفية اليمنية، وفي المدن 35 ألف ريال، وعبوة الأرز 50 كيلوجرامًا قبل النكبة بسعر 8 آلاف ريال، نوعية متوسطة الجودة، وحاليا تتراوح ما بين 88 و120 ألف ريال، والسكر عبوة 50 كيلوجرامًا قبل النكبة 7 آلاف ريال وحاليا 64 ألف ريال، والقطمة الرز قبل كانت بـ 750 ريالًا وحاليا 19 ألف ريال سعة خمسة كيلوات.
وكان متوسط رواتب الموظفين قبل النكبة 90 ألف ريال، ما يعادل 400 وخمسين دولار، وحاليا لا يعادل 55 دولارًا، مقارنة بفارق الصرف حيث كان قيمة الدولار 220 ريالًا، واليوم قيمة الدولار الواحد 1632 ريالًا.
سعر الحبة “البيض” في عهد النظام السابق 20 ريالًا، واليوم بـ 250 ريالًا، والحبة الدجاج بـ 300 قبل النكبة وحاليا بـ 7 آلاف ريال، والواحد الروتي بـ “10” ريالات، واليوم قيمته “50” ريالًا.
وفيما يتعلق بأجور المواصلات كانت لا تتجاوز الـ 20 ريالا داخل المدينة الواحدة، وبين المدن تتراوح بين الألف والـ 2000 ريال، وحاليا داخل المدينة الواحدة 200 ريال وبين المدن تتراوح بين 30 إلى 60 ألف ريال.
والمشتقات النفطية، القشة التي قصمت ظهر اليمن، كانت قبل فوضى نكبة 11 فبراير سعر دبة البترول سعة 20 لترا لا تتجاوز 1750 ريالًا، واليوم في المناطق المحررة بـ 27 ألف ريال، وفي مناطق الحوثيين 8 آلاف ريال، واسطوانة الغاز المنزلي عبوة 20 لترا سعرها قبل النكبة 1200 ريال، واليوم في المناطق المحررة ولدى الحوثيين سعرها 8 آلاف ريال.
وعود خوارج العصر
ويرى العديد من اليمنيين أن ما حدث في 2011 من فوضى، وما تلاها من كوارث على اليمنيين، كانت نتاج وعود مَنْ يُطلق عليهم اليوم “خوارج العصر” الذين غرروا باليمنيين ووعدوهم برغد العيش، والرقي والتقدم والازدهار، وما حصل عكس ذلك ووافق ما حذر منه العقلاء.
واليوم وبعد مرور 13 عامًا على النكبة الكارثية، تعيش البلاد حالة من التشظي والتشرذم والتمزق والتردي، وتقترب من هاوية الانهيار العظيم في مقومات الحياة المعيشية للسكان، وفي جميع الخدمات المقدمة، بعد انهيار المنظومة الأمنية.
ويعش اليمنيون اليوم في حالة من الخوف والخطف والجوع، والفقر، وتقييد للحريات، ومحاربة للنساء، ونشر للطائفية والأفكار الإرهابية، وتجنيد للأطفال وتدمير للتعليم، وانقطاع للرواتب، وضياع للكرامة الانسانية، وهتك للعراض وسفك للدماء، وانتشار للمقابر، وتوقف للتنمية، وفوق كل ذلك كلها انهيار الدولة ونهب وسلب مؤسساتها بالكامل.