القاضي قطران يستغيث ما تبقى فينا من شعور
لطالما قلنا بأن الاعتـقال السيـاسي ليس شكلًا سيـاسيًا بقدر ما هو شكل متقدم من انعدام العقل وسقوطه في وحل الهمجية والغباء، هو في النهاية طريقة متخلفة ومستفزة تنتج صنوفًا مختلفة من الأنظمة الشمولية والمتسلطة، وبها تتنازع مختلف النعرات والانتماءات الضيقة. إنه الزمن المشغول بإنتاج الفساد والخوف والهزائم المتكررة في التفاؤل الشعبي العام، زمن لعين يتمسك فيه الحيّ برأس الميت ولا ينجو منهما أحد.. نحن بحاجة لمساحات إضافية في توقعاتنا وتصوراتنا اليومية، مساحات تتسع لكل هذا الكم المتكرر من العنف والتضييق، لكن الأمر المحيّر هو في خصوصية التفاعل والاستجابة الحاصلة بالمقابل، حيرة مرتبطة بالصدمة العامة من تفاعلات الجمهور المتفاعل والخصوم المتكيفين مع حالة التضييق الحاصلة للمختلفين عنهم في التوجهات والمطالبات، تفاعلات تصبح في النهاية نوعًا ما من لذة الاستمتاع بمعاناة الآخرين وتبرير التجاوزات، هذه الخصوصية تتجسّد في انتهاك الآخرين والحقد عليهم بلا أسباب مادية، وتكشف عن نقص عقلاني يتكيف ببساطة ورضا تام مع عمليات التخويف الممنهج.. هذا الشكل السياسي في المحصلة لا يعد شكلًا سياسيًّا متبعًا بقدر ما هو جزء تخويفي تديره أنظمة شمولية تسلطية لا تثق بقدرتها على البقاء.
***
بعد مئات المحاولات، تمكن نجله صباح اليوم من الاتصال به، لثوان فقط، قال فيها كلمة واحدة فقط، قال -أنا ميت-، ثم انقطع بينهما الاتصال، القاضي عبدالوهاب قطران، يستغيث ما تبقى فينا من شعور، يستجدي ما تبقى في الآخرين الحياة، لم يعد بإمكانه التحمل أكثر، ومرارة القهر تقتل ما تبقى فيه من أمل، هكذا منذ أسابيع، يعاني الرجل ويعاني أبناؤه وأهله ومحبوه، يسجنونه بين جدران مظلمة، ومن خلفها يشوهونه ويتهمونه بالخمر الحرام، القاضي قطران، أكثر من تضامن معهم حين كانوا مساكين، وأعظم من تحدث عنهم للإعلام الخارجي حينما كانوا بادئين، ليمضي الوقت ويتغير الزمان، حتى أصبحوا هم الحاكمين، قليلًا فقط حتى فتكوا به وبجميع من تضامن معهم أو تحدث عنهم أو تكلف ثم ساندهم، لتصبح المرارة بعدها قاتلة والندم شعورًا أخيرًا لا ينتهي أبدًا أبدًا أبدًا.
#أنا_ميت
#الحرية_للقاضي_عبدالوهاب_قطران
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك