هيومن رايتس تكشف سبب اعتقال القاضي قطران والأخير يبلغ نجله من المعتقل: “أنا ميّت”
“أنا ميت”.. مكالمة مقتضبة تلقاها “أحمد” نجل القاضي عبدالوهاب قطران المختطف في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع لمليشيا الحوثي “المصنّفة على قائمة الإرهاب”، في الثامن والعشرين من يناير الجاري، تلّخص النهاية التي تحاول المليشيا رسم ملامحها بحق قاض ومحام ظل مدافعا عن حقوق الموظفين والحريات، وعرّى وجه المليشيا ومزاعمهما الكاذبة بالوقوف إلى جانب غزة ضد العدوان الصهيوني، في وقت تمارس أكبر عدوان على اليمنيين.
وثقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية، في تقرير نشرته على موقعها الرسمي، قصة القاضي عبدالوهاب قطران، الذي اختطفته في 2 يناير الجاري، من داخل منزله بصنعاء، بسبب مطالبته للحوثيين بصرف رواتب الموظفين التي تمتنع عن دفعها لأكثر من ثماني سنوات، وتلفيق تهم كيدية ضده أبرزها تصنيعه الخمور داخل منزله وتعاطيها.
وحسب تقرير المنظمة، قالت نيكو جعفرنيا، باحثة اليمن والبحرين في هيومن رايتس ووتش: “بينما ينشغل الحوثيون بالترويج أمام العالم أنهم يدافعون عن الفلسطينيين في غزة ضد الفظائع الإسرائيلية، يُسكِتون بلا رحمة اليمنيين تحت حكمهم الذين يتجرؤون على انتقادهم. المطالبة بحقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين تنطبق أيضا على اليمنيين”.
وأضافت: “الناس في مختلف مناطق الحوثيين ليس لديهم ما يكفيهم من الغذاء والماء. أولوية الحوثيين ينبغي أن تكون حل هذه المشكلة وليس ملاحقة كل شخص ينتقدهم”.
وفي 2 يناير/كانون الثاني 2024، اعتقل جهاز الأمن والمخابرات الذي يترأسه القيادي الحوثي “عبدالحكيم الخيواني” القاضي عبد الوهاب قطران من منزله في صنعاء، بعد محاصرة المنزل بمدرعات وأطقم وعشرات الجند.
محمد، نجل القاضي قطران الأصغر -تقريبا-، نشر فيديو على منصة إكس، روى فيه قصة المداهمة والاعتقال، قال فيه إن قوات من “جهاز الأمن والمخابرات” التابع للحوثيين وصلت إلى منزل الأسرة حوالي الساعة 10 صباحا، واقتحمته وهددت القاضي وعائلته، وأجبرتهم على دخول مركبات عسكرية منتظرة خارجا، قبل احتجازهم لساعات واستجوابهم.
اعتقل أفراد الأمن والمخابرات القاضي قطران واقتادوه إلى مكان مجهول، فيما أُطلق سراح بقية أفراد عائلته. هكذا يضيف “محمد” في الفيديو، موضحاً أن أفراد “المخابرات” صادروا الهواتف وحواسيب العائلة ولم يعيدوها، مستعرضاً في ذات الفيديو كيف عبثوا بمكتبة ومقتنيات المنزل.
وتذكر منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها، أنه بينما كانت قوات الأمن تقتاد الأسرة بعيدا، عرضت القوات أمام الجيران الموجودين زجاجات كحول زعموا أنهم وجدوها، مبررين اعتقال القاضي بالادعاء بأنه كان يصنع الكحول ويشربه.
أما “محمد”، فيقول إن قوات الأمن والمخابرات ارتهم زجاجات خمور لم يروها من قبل “وزعموا أنهم عثروا عليها في منزلنا. كانت كميات عجيبة من الخمور بأشكالها وألوانها وأنواعها لم أرَها من قبل”.
سبب الاعتقال
المنظمة الدولية قالت إنها تحدثت إلى نجل قطران وثلاثة آخرين مطلعين على القضية، والذين قالوا إن سبب اعتقاله، وفق اعتقادهم، انتقاداته للحوثيين، وليس الكحول.
المنظمة أوضحت، أنها راجعت خمسة فيديوهات سجلها ابنه ونشرها على الإنترنت ومواد أخرى نشرها نشطاء حقوقيون آخرون ومنظمات المجتمع المدني.
قال رجل التقى جهاز الأمن والمخابرات بشأن قضية قطران لـ”هيومن رايتس ووتش”، إن الإدارة أخبرته في البداية أن اعتقال القاضي كان لصلته بالكحول. قال إنه في وقت لاحق من الاجتماع، قال له أحد المسؤولين: “إذا كان لديك ديك يزعجك بصياحه طوال الوقت، ماذا ستفعل به؟” أضاف الرجل: “عندها علمنا أن اعتقاله كان بسبب نشاطه السياسي والحقوقي”.
وقال تقرير المنظمة، القاضي قطران معروف بمواقفه ضد الحوثيين وسياساتهم، وسبق أن كتب عدة منشورات على حسابه على إكس حول انتهاكات الحوثيين لحقوق الإنسان، منها ما كتبه في 31 ديسمبر/كانون الأول 2023، “لست مخولا من الشعب اليمني لمحاربة احد. هل تفهم ذلك؟!”.
ويضيف: كتب حساب موالٍ للحوثيين منشور بعد فترة وجيزة يذكر فيه قطران بالاسم، قائلا: “اليوم يا قطران غير أمس اليوم معركتنا مع أمريكا مباشرة وليس هناك مكان لمرتزقة الداخل والمنافقين أمثالكم أنتم أمام خيارين إما مع الدوله أو مع أمريكا”. ما يؤكد ترصد جهاز المخابرات لقطران منذ وقت سابق، وما تغريداته الأخيرة إلا ذرائع لإخماد صوته وربما للأبد.
قال الناشط الحقوقي رياض الدبعي لـ هيومن رايتس ووتش: “صحيح أن قطران قاضٍ، لكنه رفض الذهاب إلى العمل لموقفه ضد سياسات الحوثيين وطريقة إدارتهم المؤسسات الحكومية”. قال إن الحوثيين اعتقلوا قطران لنشاطه السياسي والقانوني الأوسع، وإن منشوراته حول هجمات البحر الأحمر “كانت مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير”.
وأضاف الدبعي: “لا علاقة للحوثيين بالحرب في غزة. إنهم يستغلون القضية الفلسطينية فقط للهروب من التزاماتهم الداخلية تجاه اليمنيين… [مثل] توفير الرواتب والخدمات للأشخاص الخاضعين لسيطرتهم”.
“أنا ميّت”
استمر جهاز الامن والمخابرات الحوثي متحفظا على قطران بعد اختطافه لمدة ثلاثة أيام، وفق ما كشفته المنظمة، بعد ذلك، وفي 5 يناير/كانون الثاني، ذهب أحد أصدقاء القاضي إلى مقر جهاز الأمن والمخابرات، حيث أخبروه أن القاضي قطران محتجز في مقرهم، وأن بإمكان عائلته زيارته.
لكن المنظمة تقول انه “عندما ذهب محمد وعمه لزيارة القاضي، سمحت السلطات لمحمد فقط بالدخول”. إلا أنها الزيارة الوحيدة التي سمح له بمقابلة والده، أو أي من أفراد أسرته بحسب تأكيد “محمد” في فيديوهات، إلى حين 28 يناير/كانون الثاني، عندما تلقى أحمد، الابن الآخر لقطران، مكالمة هاتفية مدتها 20 ثانية قال له فيها قطران “أنا ميت”.
يقول حقوقيون ومراقبون، إن هذه المكالمة تحمل الكثير من المخاوف، أقلها تعرض القاضي للتعذيب العنيف، وإصرارها على تلفيق تهم كيدية جائرة تُمكنها من ذريعة اصدار حكم باعدامه في ظل سيطرتها على مختلف القطاعات الحكومية الأمنية والقضائية. الأمر هذا ليس غريباً على الحوثيين – حد قولهم- وسبق أن أصدرت المليشيا أحكام اعدامات عديدة.
انتهاكات للقانون
وكان محمد، قدّم في 15 و18 يناير/كانون الثاني، شكاوى رسمية إلى “مجلس القضاء الأعلى” ووزير حقوق الإنسان التابعَيْن للمليشيا الحوثية تطالب بالإفراج عن والده، ولم يتلق ردا.
وفي 27 يناير/ كانون الثاني، اوضحت مذكرة وجهها رئيس مجلس النواب في صنعاء الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، إلى رئيس جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، عبدالحكيم الخيواني، أن أسرة القاضي قطران تقدمت بشكوى إلى رئاسة المجلس، وبدوره احالها إلى لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان بالمجلس.
وأكد المذكرة أن اللجنة “رأت بأن هناك مخالفة قانونية ودستورية، في احتجاز القاضي قطران”. وطالبت بالايضاح حول ما ورد في الشكوى التي ارفق نسخة منها، ومرفقات أخرى بمعية الخطاب البرلماني.
النائب في برلمان صنعاء، أحمد سيف حاشد، نشر المذكرة على حسابه في موقع فيسبوك، مساء الأحد الماضي، وقال “ان جهاز الأمن والمخابرات استلم الخطاب والمرفقات، ولكنه امتنع عن تحرير استلام بها”.
القبض على شخص بدون مذكرة وتهم واضحة هو انتهاك بموجب المادة 132 من “قانون الإجراءات الجزائية” اليمني. يتمتع القضاة أيضا بحماية قانونية إضافية بموجب القانون اليمني. تنص المادة 87 من “قانون السلطة القضائية” اليمني لسنة 1990 على أنه “لا يجوز القبض على القاضي أو حبسه احتياطياً إلا بعد الحصول على إذن من مجلس القضاء الأعلى”.
اعتقال القاضي قطران، أحد أمثلة اعتقالات قمع واسع للحريات ارتكبتها المليشيا بحق صحفيين ونشطاء وحقوقيون وقضاة، وأخفتهم، واعتدت عليهم، وعذّبتهم وغالبا ما اتهمتهم بارتكاب مخالفات لا أساس لها ولا علاقة لها بحرية التعبير، في انتهاك لحقوقهم في المحاكمة العادلة، والحرية، والأمن، وفقا للمنظمة.
ومؤخرا، قضت محكمة حوثية بالإعدام بتهم التجسس على الناشطة الحقوقية فاطمة العرولي (35 عاما)، التي أُخفيت قسرا على يد المليشيا في تعز في 12 أغسطس/آب 2022. لم تُمنح العرولي التمثيل القانوني الكافي، ورفضت السلطات مرارا طلبات أفراد عائلتها زيارتها والاتصال بها.
قبل ذلك أصدرت المحاكم الخاضعة لسيطرة المليشيا عشرات الأحكام الجائرة، بينها اعدامات بحق صحفيين وناشطين وحقوقيين، وتهجيرها عشرات البهائيين واليهود، بعد شن حملات اعتقالات واسعة بحقهم.
وفي تقريره السنوي لعام 2023م، ذكر فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن أنه وثّق العديد من الحالات التي تنطوي على الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، مشيراً إلى أن معظم الانتهاكات التي حقق فيها الفريق نُسبت إلى الحوثيين.