منبر حر لكل اليمنيين

الحرب اليمنية على مسرح الإقليم

61

تسعة أعوام مضت على حرب الحوثي والتحالف العربي، وما زالت المشكلة قائمة بتعقيدات كثيرة وأكثر خطورة، خاصة وأن التدخل الخارجي المباشر والغير مباشر ساهم كثيراً في تشتيت المعركة وفتح ملفات عديدة من خلال تفريخ مكونات ومجالس وقوات ونخب تخدم جهات إقليمية تستهدف وحدة الأرض اليمنية وتشل أي مساعي لعملية سلام حقيقية يحققها اليمنيين.

إن حرب اليمن بشقيها السياسي والعسكري، نسفت كثير من النظريات ومناهج التحليل التي كانت رائجة في بداية عاصفة الحزم عن طبيعة الصراع في اليمن، وهي نظريات ومناهج تحليل أشرفت عليها أطراف لديها خصومة مع النظام السياسي السابق، وخاضت ضده حرب شوارع مع بداية العام ٢٠١١م، مات فيها العشرات وربما المئات من أبناء الشعب اليمني الذي كان يرفض أي عمل مسلح لمواجهة الدولة آنذاك، وحقيقة هذه الأطراف التي خاضت عمل مسلح ضد الدولة كانت تعتقد بأن حربهم هذه ستكون مجرد نُزهة، ستنتهي في غضون أيام أو أشهر قليلة، ويستولوا بعد ذلك على السلطة، ولم يدركوا حينها بأن حربهم تحولت لحالة عُنف استثنائي أحدثت هزة كبيرة في الوجدان اليمني وفي طريقة التفكير، وعملت على جلاء الحقائق بحكم قوتها وعُنفها وتداعياتها التي مازلنا نُعاني منها إلى يومنا هذا

في السابق طرح البعض أن طبيعة الأزمة اليمنية هي أزمة هوية وأن هُناك صراع ذو طابع ديني وطائفي، واشتغلت وسائل إعلام يمنية وإقليمية على هذا الأمر وغذت الصراع في اليمن أكثر مما كان عليه، هذا الصراع الطائفي والمذهبي الذي قاده عبدالملك الحوثي ضد اليمنيين بهدف تفكيك النسيج الاجتماعي وإعادة تشكيل المجتمع اليمني بمصنفات السيد والعبد والذي وصل لمستوى تفكك الأسرة الواحدة التي تقاتل بداخلها حوثي وإخواني وغيره من المسميات وكلاً يدعي الحق بالدفاع عن رموزه، هذا المرض الذي أصاب المجتمع وأحدث فيه خلل توعوي، تسبب بحرف مسار الصراع الذي لم يكن له تأثير كبير، وكان يمكن وأده في حينه لو تُرك الأمر للشأن الداخلي، فكان التدخل الإقليمي سبب رئيسي في تدهور الأوضاع وإنهاك البلد في صراعات عديدة تمهيداً للقضاء على كافة أشكال الدولة والذي تم ترجمته بعاصفة الحزم وبالنفوذ الإيراني الذي استغل ثغرة التدخل الإقليمي في البلد، وزاد من وتيرة تدخله الكبير في الشأن اليمني وحول شمال اليمن لجبهة تصفية حسابات على امتداد الحدود اليمنية السعودية، والتي انعكست آثاره على الداخل اليمني بشكل مباشر.

هذه الحرب وكما قلنا نسفت هذه التحليلات والتي كانت تسطيح لطبيعة الأزمة والصراع ولكنها كانت ناجحة في عملية التجييش لجميع الأطراف المتصارعة لأنها تُخاطب الوجدان اليمني، بأن الصراع هو صراع وجود وليس خلل في التطور السياسي وفي طريقة تعامل الأطراف الخارجية مع جوهر الخلافات التي كانت آنذاك طفيفة ومتوسطة في بادئ الأمر، والتي كان يُفترض حلها بعيد عن أي تدخل خارجي تجنباً لتفاقم الأوضاع وعسكرة البلاد والمناطق كما هو موضح اليوم على الأرض.

ولأننا نخوض حرب بلا أي هدف، استطاعت بعض الأطراف المستفيدة من الحرب توظيف مصطلحات المعركة، وعملت على تسطيح القضية ضد العنف والاستبداد الحوثي الذي حول مناطق سيطرته لخنادق ومتارس ومقابر شاسعة، وحول المساجد وصالات الأفراح لعزاء ولطميات حُسينية، وهذا في جوهره طائفية ومذهبية بامتياز له امتداداته وارتباطاته الخارجية نشاهده في أغلب الدول التي خضعت للظاهرة الاستعمارية وعمل ككابح يمنع التحول الوطني والديمقراطي للدولة الحديثة، ولا علاقة له بالجانب السياسي كما يروج البعض،

وللأسف نجد تعامل الشرعية مع ما يقوم به الحوثي من جرائم حرب وإبادة ومن تجريف للموروث الثقافي اليمني، وكأنها مشكلة شخصية بينها وبين ميليشيا الحوثي، وليست مشكلة اليمن الموحد الكبير، وهذا ما يجعل إعلام الميليشيا يستهزئ بخصومه خاصة حين يكون الحديث عن استعادة الدولة عبر بوابة العاصمة صنعاء.

هذا السيناريو الملهاة بين الشرعية وحليفها الإقليمي وبين الحوثي وحلفائه الإقليميين الذي يبدو فيه الجميع على طرفي نقيض، بينما الحقيقة أنهما يؤديان دورهما المرسوم لهما بكل مهارة، في مسرح تمت فيه تهيئته بشكل جذاب يتحرك فيه كم ضخم من الكومبارس، وبسرعة كبيرة لا تعطي المُشاهد أو المُتابع فرصة للتفكير أو لاستيعاب خيوط أطراف المؤامرة التي تداخلت فيما بينها البين وتراكمت العُقد تلوى الأُخرى.

فالقصة كلها تدور حول مشكلة قديمة متجددة، تشرف عليها وترعاها جهات خارجية هدفها، القضاء على ثورة سبتمبر، وتكريس رأسي الانقلاب ” الإمامين، والانفصالين” في السلطة في شمال اليمن وجنوبه استثمارًا في المعاناة التي أحدثها طرفا الانقلاب تحت عناوين الكرامة والحفاظ على استقلالية القرار كما يزعمون، وهي عناوين وشعارات تكاد تكون معدومة وسخيفة في نفس الوقت.

إن حرب اليمن بلا شك كانت امتداد للتدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية عبر سنين طويلة، هدفها القضاء على أي فرصة تغيير في البلاد أو نهضة شاملة في شتى المجالات، وذلك لتكريس سلطة قمعية من طرفي النزاع والأدوات الرخيصة التي تُدير المشهد عن بُعد، للسيطرة على موارد البلاد ونهبها والاستفادة من موقعها الجيوسياسي المميز، بإطلالته على أهم ممرات العالم، ومدخل لأفريقيا.

تعليقات