المحويت.. شبابٌ ينحتون في الصخر ورجال يشقون طريقًا من عدم
قيل في الأثر، إذا بنيت مدرسه ستغلق سجنا، وإذا بنيت مصنعا ستكافح فقرا، واذا بنيت طريق ستسهل امرًا، واذا أصلحت تعليما ستصلح مجتمعا.
وقيل اذا اتجه المجتمع ومعه السلطة لبناء الإنسان وتنشئة الأجيال بشكل سليم وتذليل الصعوبات وتقديم الخدمات فإننا سنكون أمام جيل مختلف لا يعرف ثقافة الكراهية والاحقاد ولا الصراعات المذهبية ولا المناطقية.
قرية (الظهرة) واحدة من قرى محافظة المحويت الصاعدة نحو الأعالي، تمامًا مثل شموخ اليمني قديما وحديثا، قرية في قمة الجبل فضل أهلها بناء مساكنهم هناك ما جعلها بعيدة تماما عن أنظار الدولة والسلطات المتعاقبة أو ربما كان الوصول إليها سيأتي متأخرا.
لم تصلها خدمات الدولة من طريق وغيره نتيجة التضاريس وبرامج التنمية البطيئة وربما تسارع الأحداث خلال العقد الماضي، الأمر الذي دفع أبناء المنطقة إلى التحرك الجاد رافضين الانتظار، من أجل وضع اللبنة الأولى في مشاريع التنمية المستدامة.
الطرق شريان الحياة ووريدها
بالتأكيد لا يمكن عمل أي تنمية ما لم تكن هناك طريق رابط، يتم من خلاله التحرك فالطرقات شريان الحياة ووريدها، ومن خلالها يكون المدخل إلى إنشاء باقي الخدمات من دور صحية ونهضة عمرانية وتعليمية وغيره.
يقول محمد الظهرة اكاديمي تخرج للتو من إحدى جامعات المغرب وهو أحد أبناء المنطقة وكادرها التعليمي ومن المبدعين؛ “شباننا يصنعون الفارق بأيد عارية لتذليل كافة المصاعب التي تواجهنا في هذا المضمار”.
يضيف. ” سنخبر الصخور أننا قدر هذه الأرض والتضاريس الصعبة وأنها قدرنا لسنا من قوم عاد وسطوتهم لكننا نجعل الحلم حقيقة بالصبر والإصرار ولسنا ممن يتنقلون بين الانتماءات السياسة ولا ممن يستثمرون الحرب، فحروبنا دومًا محمودة ضد الأمية وتعليم النشء:.
يواصل حديثه لمحرر موقع “يمن المستقبل” فيقول: “نحن متشبثون بالممكن ولا تقهرنا الصعاب، فمن هذه التضاريس حققنا بعض أحلامنا وتعلمنا فوق الشوك وتقلبات المناخ، وفوقها أيضا عبرنا لمدرستنا طلابا يافعين واليوم معلمين”.
“فخر لنا أن نكون جزء من هذه الأرض نعمرها وننشئ فيها المعالم ودوائر الخدمة مهما كانت متواضعة، لكن في النهاية يكفي شرف المحاولة وسواعد الشباب والرجال وحماس جميع الأهالي في تجاوز هذه المعضلة”
مشروع الطريق نحت في الصخر
مشروع شق طريق قرية الظهره – القعير الكائنة في مديرية بني سعد، احد مديريات محافظة المحويت المشهورة، قرية يقطنها ما يقارب 300 نسمة، أبناؤها يدرسون في مدرسة بالقرية المجاورة، شبه معزولة نتيجة انعدام الطريق المعبدة ووعورة تضاريسها.
لذا ظلت خلال العقود الماضية تعاني من صعوبة نقل المواد الغذائية إلا على الاكتاف ورؤوس النساء، نقل المرضى أيضا والنساء الحوامل كان ولا زال يتم بنعوش الموتى إلى اقرب طريق في القرى المجاورة الأمر الذي تسبب بالعديد من الخسائر في الارواح والمواشي والمعاناة لدى الأطفال.
زاد السكان فكانت المبادرة
تضاعف أعداد المواطنين في القرية ما دفع شبابها ورجالها إلى محاولة كسر عزلة المكان التي عليها، فكانت الطريق أولًا وقبل كل شيء، بتحرك جاد من الجميع وحماس منقطع النظير بوسائل بدائية كان لا بد من العمل.
تم الإعداد وتجهيز المحروقات ومعدات مثل الكمبريشينات وبعزيمة الشباب وبعض الداعمين وهم قلة انطلق المشروع واصطدم الجميع ببعض الصعوبات المالية وعدم قدرتهم على توفير بعض المتطلبات وعلى مدار شهر كامل من العمل الشاق تم إنجاز نسبة عالية من المشروع وبدأت تتنفس قرية الظهرة الصعداء.
حوادث مميتة وهمم عالية
يخبرنا محمد أن القرية شهدت العديد من الحوادث المميتة
كان آخرها وفاة طفل من منحدر ولم تعلم به أسرته إلا بعد ساعات طويلة من سقوطه، وكذلك العديد من الولادات المتعسرة الذي تؤدي إلى وفاة الامهات وعدم قدرتهن على التحمل.
وتعد هذه المبادرة واحدة من المبادرات المجتمعية التي جاءت نتيجة تردي الأوضاع وغياب المجالس المحلية والسلطات واستمرار الحرب والصراع وإهدار الموارد في معارك خارج التنمية.
وشكلت المناطق الوعرة في المحويت واب وتعز وعدد من المناطق التي اتجهت للعمل وطلب الدعم من المغتربين وبعض الميسورين.
هذا المشروع الذي تم عمله في قمة جبلية شاقة وتضاريس وعرة دليل ثابت على شموخ الإنسان اليمني عبر تاريخه لا يستسلم ابدا كما أنه يعكس روح المواطن القادر على تجاوز كل الصعاب أيا كان شكلها وصورته.