منبر حر لكل اليمنيين

علي عبدالله صالح.. صفحة من كتاب الألم

70

ما سأورده هنا ليس مقالاً أو كلاماً مستهلكاً مما يتم تداوله من حين لآخر، أو مديحاً يرتبط بمناسبة نسعى لتجميلها بكلامٍ لا يتصل بالواقع.. ما ستحمله السطور التالية شهادة موظفٍ في الخدمات الأرضية بمطار صنعاء جمعته لحظات مثقلة بالألم والصبر والتسامح ولحظة غارقة بالسعادة مع الزعيم علي عبدالله صالح بعد جريمة استهداف جامع دار الرئاسة في جمعة رجب عام 2011، وهذا ما حدث وعاشه وشهده في تلك اللحظات.

“مساء يوم السبت الموافق 4 يونيو 2011 تم استدعائي بصورة عاجلة إلى مطار صنعاء دون اطلاعي على سبب الاستدعاء في وقت متأخر من الليل، وعند وصولي إلى المطار تم إبلاغي بأن الطائرة الطبية السعودية الخاصة التي أرسلها الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود جاءت لنقل الرئيس علي عبدالله صالح والمسئولين والمواطنين الذين أصيبوا في جريمة استهداف جامع دار الرئاسة لعلاجهم في السعودية، وعندها أدركت حجم المهمة التي تم استدعائي من أجلها ومدى السرية التي يجب علينا الالتزام بها نظرا لما كانت تعيشه البلاد في تلك الفترة.

توجهت مع فريق من الموثوق بهم إلى أرضية المطار وبدأنا في تجهيز الطائرة وتزويدها بالوقود ومتطلبات الرحلة وبعد انتهائنا وصلت أول سيارة اسعاف وكانت تقل الرئيس علي عبدالله صالح، الذي رفض بعد إنزاله منها أن نصعد به إلى الطائرة وقال وهو مستلقي على عربة النقل الطبي السريرية والأجهزة الطبية متصلة بجسده المحترق: “لن أصعد الطائرة إلا بعد صعود آخر شخص من رفاقي المصابين..”.

توالى وصول سيارات الإسعاف وكلما وصل مصاب كان يستقبله الفريق الطبي السعودي ويجري له فحوصات طبية للتأكد من وضعه الصحي وقدرته على تحمل متغيرات الضغط الجوي بعد الإقلاع، وفيما كنت أقف مع كبير الأطباء بجانب عربة نقل الرئيس كان كبير الأطباء يدنو منه ويرجوه عدم التحدث حتى لا تسوء حالته، لكن الرئيس لم يلتفت لتنبيهات الطبيب وظل يردد: “حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله ونعم الوكيل” لدرجة أني لاحظت تساقط قطع صغيرة متفحمة من رقبة الرئيس أثناء ترديه للعبارة.

بعدها جاء أحدهم وهمس في أذن كبير الأطباء وناوله ورقة ما إن انتهى من قراءتها حتى دنا من الرئيس وأخبره أن جميع رفاقه المصابين أصبحوا على متن الطائرة عدا مصاب واحد هو نعمان دويد الذي تبين من الكشف أن حالته الصحية لا تسمح له بركوب الطائرة وقد يفقد حياته إذا ما خاطرنا بنقله في هذه الرحلة.

بعد سماع كلام الطبيب طلب الرئيس من أحمد علي وطارق محمد وعلي صالح الأحمر أن يقتربوا منه ولحظتها أذهلني صبره وقوة تحمله وتسامحه وأنا أسمعه يقول لهم: “ما أصابني مقدر ومكتوب.. احقنوا دماء اليمنيين.. لا تطلقوا طلقة واحدة.. احقنوا دماء اليمنيين”، صعدنا بالرئيس إلى الطائرة وعندها وصل بلاغ من برج المطار لطاقم الطائرة بالصعود عموديا بعد اقلاعها وتجاوزها المدرج ثم الاتجاه بها غرباً خشية استهدافها من قبل الجماعات الإرهابية التي كانت تتمركز في منطقة أرحب.

بعد ثلاثة أشهر وفي وقت متأخرٍ من الليل فوجئت باتصال مماثل يطلب مني سرعة التواجد في المطار لأتفاجأ عند وصلي بأن الطائرة الرئاسية تسير على مدرج الهبوط وعلى متنها الرئيس علي عبدالله صالح.. شعور لا يوصف وسعادة تغتسل بالدموع ملأت الوجوه والقلوب وفاضت حتى شعرت بها تملأ حرم المطار.. بعد توقف الطائرة توجهنا بعربة السلم وبحكم عملي صعدت لأقف بباب الطائرة وما هي لحظات حتى فُتح الباب وخرج الرئيس وابتسم وأنا أصافحه وقال: “أنت آخر من ودعني وأول من يستقبلني”، ما سمعته وقتها أخرسني تماما ولم أجد كلاما أعبر به عن اندهاشي واعجابي بعقلية هذا الرجل الذي ما يزال يتذكر ما حدث في تلك الليلة مع موظف عادي رغم كل ما كان يعانيه من جراح وآلام وبعد كل ما عاناه أثناء العلاج ودخوله في حالة من الغيبوبة لأيام بين الحياة والموت”.

تعليقات