منبر حر لكل اليمنيين

اثنا عشر عامًا على رحيل الدولة

56

بعد أن رسمت المؤامرة خيوطها الأخيرة لملامح المجتمع اليمني الذي كانت تتحدث عنه المعارضة لسنوات، خاصة بعد انتخابات العام ٢٠٠٦م، بدأت المُباشرة في الدخول إلى قلب الأزمة في العام ٢٠١١م، التي بدت مختلفة وغريبة على الجميع، ظهرت المؤامرة في تزايد “الموت” الذي بدا وكأنه حدث مختلف عما اعتادت عليه الدولة وسُكانها لأول مرة منذُ عقود من الزمن، فالأحداث حينها كانت تُخبرنا أن الوفيات لا تتوقف كل يوم، بكل طرقها وصورها المختلفة، لكننا وفي غفلة من الزمن استيقظنا فجأة على أصوات الأباتشي تضرب البلاد وتقصف كل الأماكن والتجمعات، وتستهدف المنازل، وتحيل الناس إلى مقابر جماعية وكأننا نُشاهد عرض لهوليوود أمام شاشات عرض كبيرة، كان مشهد مُرعب لم يتخيله إنسان، كُنا نُشاهد جماجم وأشلاء وجثث متفحمة على الطرقات، المفاجأة أن الإعلام الخليجي آنذاك لم يُسجل أي حالة قتل في ذلك الصباح، ومن هُنا بدأت الحكاية وربط باقي خيوط المؤامرة.

في الوقت الذي كان الخبر يُشير فيه إلى انتشار الموت والقتل في شوارع العاصمة صنعاء وباقي المُدن، خرج مُسن إلى الشارع لتفقد أطفاله في المدرسة المجاورة، ساعات وينتشر خبر اختفاء المُسن ومعه المدرسة، هذا نموذج بسيط لحالة الموت والقتل والفوضى وحالة الفراغ السياسي الذي عاشه اليمن بعد رحيل صالح، القبيلي الشهم والسياسي المُحنك، والرئيس الأب، والفقيد الذي فقدنا البلد بعده.

مَثل رحيل الزعيم علي عبدالله صالح آخر الفصول لرحيل الدولة اليمنية، وهو آخر زعيم حكم اليمن، صوته هو حيلة اليمني المقهور لإخفاء خوفه في زحام الفوضى، صوته من يُبقينا متماسكين قليلاً ويمنحنا نشوة عطرة تحيلنا في كل صباح لجنود واثقين من العودة واستعادة دولتنا، هذه عملية صياغة ممنهجة لتلك المخاوف التي كانت تُراودنا في حال رحل صالح عنا، وما زلنا لليوم بداخل هذه المخاوف.

ثمة رجل ما تحدى الموت ولم يرغب بموته ملايين اليمنيين، وفي ظل الأخبار المتداولة عن استشهاده، ستبدو النظرية غير منطقية، إذ أن الموت لا يجب أن يُغيب صالح، هكذا يقول اليمنيين وما زالوا، مات صالح، أُستشهد الرجل، تحول الخبر من مجرد إشاعة قد تنتهي في أول ٢٤ ساعة من ظهورها إلى خبر يتداوله الجميع في اليوم التالي، إلى تقارير رسيمة في نهاية الأسبوع الأول على أقصى تقدير، وصار الخبر واقعاً بين الجميع، رحل صالح فعلاً، لكن سيفه مازال يعمل في كل مكان وكل شبر من هذا الوطن.

بالعادة لا يتنكر الناس لمن وفر لهم الأمن وصان كرامتهم، وحفظ حقوقهم، وهذا ما حول الزعيم علي عبدالله صالح لرمز شعبي في ظل هذه الظروف التي أُهين بها اليمني بالداخل والخارج

اثنا عشر عام على فُقدان البلد وما زالت الكوارث تتوالى علينا، وطبول الحرب تُقرع من البحر إلى اليابسة، والسُفن هذه المرة هي المدخل الجديد لضرب ما تبقى من ركام وطن، ظهر نوع جديد من الاضطرابات فجأة مع تسارع الأحداث، وحشد العالم قواته للمياه الإقليمية اليمنية قبالة سواحل اليمن، حيثُ ظهرت الاجتماعات الموسعة بين أصحاب المصالح الكُبرى وأدواتهم في المنطقة، مما يعني أن اندلاعها سيُشكل كارثة إنسانية غير مسبوقة فوق التي نُعاني منها منذُ سنين.

ربما من السهل التوصل إلى الكثير من المعاني التي أرادت ميليشيا الحوثي تقديمها في سرديتها المُعلنة بالدفاع عن القضية الفلسطينية، وإن كانت هذه السردية تبدو ساخرة إلى حد كبير، فإنها في لحظة تهور وغباء قررت أن تقود البلاد لمزيد من الهلاك وضرب مصالح النظام العالمي في الملاحة الدولية في مسرحية قد تقودنا لنتائج مُظللة لا ينجو منها أحد، وهو ما يُفسر حالة الاسترخاء التي وصل إليها الحوثي وهو يُلقي علينا بيان استهداف السُفن الأمريكية والبريطانية وكأنه يتحدث عن استهداف قوارب صيد لقراصنة من القرن الإفريقي

واحدة من أهم الرمزيات المقصودة في هذه الحياة هي رمزية فلسفية قديمة تتعلق بحلم البشر في الخلود والبقاء، وألا يكون الموت هو مصيرهم في النهاية، وأن يكون بإمكانهم البقاء في هذه الحياة والتمتع بها، دون أن تكون هُناك خشية من وجود سبب ما مجهول يُنهي حياتهم بمغامرة أقدم عليها جاهل تملك أمرهم في غفلة زمنية.
ولذا من حقنا كيمنيين أن نعيش بسلام، وأن تتظافر الجهود للقضاء على كافة أشكال الملشنة وأن يسود بلادنا الأمن والرخاء.

تعليقات