الحوثي والوطن والمُهمة التي وجد من أجلها
أظهر الحوثي بُعدًا أيديولوجيا خطيرًا، أبرقَ من خلاله برسائل عديدة للجميع، بأنه على استعداد للاستماتة وراء إحياء ثقافة الولاء والبراء بصورتها الفاشية ومعتقدها الديني القائم على الأصولية العميقة والعنصرية البحتة.
تَوج مشروعه السياسي بالاستحواذ المطلق على كافة مفاصل الحياة، وعبر عن رغبته في تغيير العالم وليس المجتمع اليمني؛ بما يتوافق مع الهوية الإيمانية من وجهة نظره هو، وليس بما يخدم التعايش واحترام سنن الكون وأعراف الناس وأعراضهم، ويصون كرامتهم واحلامهم ويقدر تطلعاتهم وحريتهم الفردية.
امتدت يده إلى كل شيء مثل مخالب مسمومة، الصحة والتعليم وأجهزة الدولة ودوائرها العتيقة، الدستور والنظام السياسي، الأعراف. انهك الواقع برقصات صعداوية فخيل للبعض أنها رقصات القضاء على الفساد والمحسوبية والمشيخة والعنجهية وبعض اشكال وصور الاقطاعية المتوارثة.
تفاجأ الكثير بأنه كان ولا زال يحث الخطى نحو مشروع أحادي، اسوأ من كل المشاريع، أو بالأصح من كل السياقات المتعارف عليها والسابقة، في إدارة الدولة والمجتمع وموارد البلاد، والتي كانت محل نقد واعتراض من البعض رغم نجاعتها مقارنة بما يجري اليوم.
لم يكن الحوثي يومًا مشروعًا قائمًا على استعادة النواقص في الحكم والإدارة، اذا سلمنا أن هناك ما يستحق العناء والفوضى للوصول إلى المجهول؛ فالحوثي أتى أو وجد لينفذ مهمة استعادة (الإمامة) ومخلفاتها الرجعية، وتيبُّسِها عند معتقدات ورغبات؛ قائمة على أن البلاد ملك لأسرة وأشخاص بعينهم، ولا يحق لأحد مشاركتهم ذلك تحت دعاوى ال البيت وبني هاشم، وما تبقى من مصطلحات طبقية بحتة ليس لها أساس في أي كتاب وهي من اختراع الأئمة وشخوص أرادوا التمسك بالسلطة والسيطرة عليها وعلى الموارد.
كان الحوثي وكانت هذه الخرافة الزائفة التي كُشفت اليوم وتعرت من خلال النضج لدى كثير من الناس بفضل التجديد واقتحام عالم المنقول والكتب الجامدة والروايات المجافية للعقل والمنطق والأحاديث الموضوعة والقصص التي تعكس تردي العقل حين تروى.
أراد الحوثي تغيير العالم وليس الدائرة اليمنية المتنوعة في ثقافتها البسيطة وفي تعاملاتها، الغير معقدة والمجبولة على الشورى والعمل والحركة والبعد الأزلي للإنسان اليمني؛ فكانت هذه التوليفة وهذه السرديات التي يحاول تكريسها من خلال ابتكار منظومة إدارية وثقافية خلال العشرين عام الأخيرة.
فمنذ الحروب الستة وحتى عام الانقلاب على الحياة في 2014، وصولا إلى التقطع للسفن والناقلات العملاقة وعسكرة باب المندب والبحر الأحمر، يؤكد الحوثي وبكل بساطة ارتباطه الإقليمي السيء الذي لا علاقة له بالقومية ولا بالرؤى الوطنية، ولا يخدم أي مصلحة ترفع من شأن المواطن اليمني ومعيشته.
ستنجلي الآفاق حين يُرفع غطاء المجتمع الدولي عن هذه الجماعة، وسيتحرر الفرد من هذا الظلم الذي يمارس عليه بشكل يومي كأنه طقوس وشعائر دينية؛ وستكون هناك قوى تحمل على عاتقها مسؤولية تحرير العقل والجغرافيا والفكر والمجتمع؛ وسيستعيد اليمني روحه التي تم تشتيتها وبلاده التي تنام جائعة وتستيقظ مفجوعة.