تقرير حديث لـ “مركز مداري للدراسات والأبحاث” الوضع الاقتصادي اليمني بحاج لجهود جبارة كي يستعيد عافيته
“”الاقتصاد اليمني في زمن الحرب وسيناريوهات المستقبل”، تحت هذا العنوان حاول “مركز مداري للدراسات والأبحاث الاستراتيجية” الغوص في تفاصيل الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد، والأضرار التي عكست واقع اقتصادي على مستوى البنى التحتية لرأس المال الوطني وقطاعات الدولة ورواتب الموظفين والحالة المعيشية لكافة المواطنين نتيجة استمرار الفوضى والعشوائية في إدارة البلد من قبل كافة الأطراف.
وكان التقرير الذي تكون من 28 صفحة مفهرسة ومقسمة إلى فصول قد أظهر مدى الضعف الذي أصاب الاقتصاد اليمني، وضاعف من تدهوره خلال فترة الحرب، والذي جاء نتيجة للانقسام الحاد في اطار النظام والقوى السياسية.
التقرير الذي تم نشره يوم أمس الاثنين 2 يناير 2024 من محافظة مأرب، جاء نتيجة بحث واسعة من قبل مجموعة من الخبراء بعد تقصي دقيق والاعتماد على بعض التقارير والجهات المحايدة والجهات المعنية بالشأن اليمني حكومية ومنظمات، برئاسة المهندس/ حسين بن سعد العبيدي، وهو من أهم الباحثين المتابعين للشأن اليمني وملف المفاوضات الجارية والأوضاع المعيشية والسياسية.
ركز التقرير على الواقع الاقتصادي والمالي اليمني والمستوى الذي وصل إليه، محملا كافة الأطراف المسؤولية نظرا لغياب المركزية في الموارد، وتشتت ناتج الموارد من نفط وضرائب وجمارك وغيره من المداخيل ما شجع على عمليات فساد واسعة وغياب مبدأ المحاسبة والمراقبة، وغياب كافة الخطط الاستراتيجية التي من شأنها ترتيب سياسة الصرف وعملية بناء الدولة والبنى التحتية، وذهاب معظم الموارد أو اغلبها لدعم توجهات ومشاريع تضر بمستقبل البلد أكثر مما تخدم المواطن.
التقرير بيَّن خطورة الحرب على العملية الاقتصادية بشكل عام، وتأثيرات الحرب وغياب الرؤى الوطنية نتيجة البحث عن دائرة ضيقة ومصالح محدودة لا تخدم المنظومة الاقتصادية بقدر ما تفتح المجال أمام الفوضى ومصالح محدودة وشخصية لا تعكس صورة ايجابية بالمطلق عن واقع الاقتصاد الحر بقدر ما تنذر بمزيد من الانهيار والتشظي.
التقرير اتهم مليشيا الحوثيين بالسيطرة الكاملة على الموارد الأمر الذي لعب دورا سلبيا في انقسام الاقتصاد لتحوّله من اقتصاد منظم ومتكامل إلى اقتصاد يعمل على خدمة جماعة معينة، لتصبح هي المستفيد الوحيد في مناطق سيطرتها من الأنشطة الاقتصادية الغير المنظمة والمشروعة بأي قانون بقدر ما صارت كل الأموال والإيرادات والجمارك تذهب لصالح الجماعة وقياداتها.
التقرير تطرق للدور السلبي وغياب التنظيم الحقيقي من قبل حكومة الشرعية التي تتخذ من عدن مقرا لها، والتي افتقدت للحس الاداري والقياد بأعمال اصلاحات اقتصادية، متهما اياها بممارسة الفساد والعبث بالموارد، وعدم قدرتها على ترتيب الأوليات استعادة عافية الريال مقابل العملات الأجنبية والتخفيف من التضخم الحاصل بسبب طباعة كمية كبيرة من الأوراق النقدية، وعدم قدر البنك المركزي على خلق مشروع متكامل للحفاظ عل استقرار الريال وأسعار السلع الغذائية التي انهكت كاهل المواطن طيلة السنوات الماضية، وهو ما يستحق المحاسبة.
التقرير أتى على تفاصيل واسعة حذرها من خلالها بأن استمرار هذا الوضع بأنه كارثي يفاقم الحالة الانسانية الأسوأ في العالم بحسب تقارير عديدة للمنظمات الدولية والاقليمية والمحلية، كما عمل على جدولة المواضيع داخل التقرير، وختمه بالعديد من التوصيات.
اعتمد التقرير على مجموعة من المراجع منها تقارير الخبراء الدوليين فبراير 2023 ولجنة الخبراء أنفسهم 2021 و تقرير البنك الدولي 2019 وبعض التحقيقات الاستقصائية حول النفط “أريج”، 23/2/2017 وكذلك تقرير اللجنة البرلمانية 25/8/2023 وغيرها من التقارير ذات الأهمية والتي حملت معلومات دقيقة كشفت عن واقع اقتصادي ومعيشي مريب.
حرص التقرير على الخروج بتوصيات من شأنها استعادة دور الدولة والنهوض بالعملية الاقتصادية التي ستحدث تحول حقيقي في المشهد الانساني الذي وصل مرحلة غير مسبوقة ولا مقبولة منها:
تبنـي الحكومة اسـتراتيجية محـددة وواضحـة الهدف، وتطويـر قطاع الاستثمار بالقطـاع النفطي، والغاز بشـكل دائم ومسـتمر واسـتعادة القطاعات
النفطيـة للعمـل، عقـد عـدد مـن المؤتمرات العلميـة والفنيـة، ودعـوة الشـركات العالمية ذات الاختصاص النفطـي، اضافة للترويج للاستثمار في السواحل اليمنية وكذلك مواجهة الفساد بكل أشكاله.
تفعيل الرقابة الداخلية في المؤسسات ومحاولة تحرير القرار الوطني بعيدا عن دول الاقليم بما يخدم الواقع اليمني، بعيدا عن التحكم الذي يفرق أكثر مما يجمع ويشتت الجهود، بمعنى تحرير القرار السياسي والاقتصادي وحماية مصالح البلد والحفاظ على السيادة الوطنية.