منبر حر لكل اليمنيين

عام الرحيل عن العمل الصحفي.. وداعًا.

82

يحيا المرء محتكمًا إلى ظروف بيئة معينة مهما بلغت عنده درجة  الاستقلالية أو الاكتفاء الذاتي وصارت في أعلى ذروتها، ومهما حاول الاتكاء على وسائد مثالية، وادعاء الصواب في أفكاره ومعتقداته الثورية والثقافية، وحتى في الانتماء من عدمه لأشخاص ونظريات هي ضالعة في التوليفة التاريخية التي نحياها اليوم بكل تفاصيلها.

فما بالك بواقع يدفعك لخوض معركة انت فيها ضحية من جهة وصاحب فكر من ناحية أخرى لديك طموح ومشاعر ورغبات وسلام داخلي وأحلام وردية فردية وأخرى جمعية وتسعى دوما للتوفيق وإنجاز ما عجز عنه غيرك ولو بأقل الإمكانات.

جميعنا يكذب في المعترك الراهن وحتى قبل هذا الانسحاق نحاول أن نتظاهر أننا نقف في موقف الاستقلالية ونبدي بعض المرونة في التعاطي والتعامل والمجاملات وتهذيب الحديث وطرح الآراء ومحاولة إيجاد مخارج لماء الوجه.

في الحقيقة ثمة ملل من كل شيء يحيط بنا حتى لحظات السعادة لم يعد لها ثقل، لأن الواقع جامد أو بالأصح يتحرك نحو المجهول ويسرح شعره كما لو أننا نعيش حالة فناء.

اليوم فكرت مليا تقديم استقالتي من العمل الصحفي بشكل عام، وهو قرار قديم جديد، ربما خلال الساعات القادمة مع بداية هذا العام أو بعد أيام بعد شهر، المهم التفكير يتوارد غير قابل للتجاوز بحثًا عن فرصة في مجالات أخرى ومكان آخر، لا بد وأن نبتعد عن السياسة الصحافة الإعلام المشهد الأدبي لبعض الوقت لطالما أننا لم نكن ناجعين بالقدر الذي يجب ولم يتغير شيء.

ربما لم أكن ذلك الرقم الذي قد يقلل منه البعض لكن إجمالًا خضت تجربة شخصية أعتز بها، على الأقل حافظت من خلالها على شخصيتي وكانت مصدر عيش مهمة في أحلك الظروف عملتُ مع أشخاص جيدين وتحت قيادة أصدقاء أعتز بهم خارج الوطن وداخله.

التغريبة التي يعيشها ملايين اليمنيين اليوم، نتيجة للحرب الدائرة والمشاريع التافهة، جعلتهم عرضة للابتزاز والجوع والشتات والمرض والوضع النفسي الغير مسبوق؛ يتحمل مسؤوليتها يمني آخر لديه مشروع مختلف واجندة لا تتفق مع النسيج والبيئة المحيطة.

ارتهان القيادات والقوى السياسية لقرارات خارجية جعلتهم غير قادرين على الاستقلالية واستعادة الدولة ومؤسساتها وتثبيت الأمن الذي يطمح إليه كل إنسان، لا بد من مراجعة كل الأوراق منذ 2011 وحتى هذه الساعة.

أما الآمال فلا تزال بعيدة تتعلق بأستار الأقدار والمعجزات بعد أن فقدت الثقة لدى كافة الأطراف التي تدعي الوطنية وهي لم تقدم للوطن وللناس شيء يذكر باستثناء بعض الفتات هنا وهناك كجبر خاطر حتى يقال تم (تنفيذ) أو قام ب(افتتاح) على طريقة الرئيس الطارئ مهدي المشاط.

الحياة واسعة والمصادر لا تنفد والتجارب لا بد وأن تكون جزء من السيرة ودافع لاجتراح مسار جديد فثمة عقبات يجب أن لا نستسلم لها مهما كانت الموانع والمثبطات، وكما يقول الصديق العزيز والناشط محمد خالد عنتر الذي يجابه ورم السرطان في الرأس منذ سنوات “سنعيش يعني سنعيش”.

لا اعتبر هذا هروب بقدر ما هو بداية تحديد مصير مختلف، ولا يمكن أن أقول أنني مررت بظروف سيئة، على العكس من كل ذلك، فقد اكرمني الله بمواقف ليست على البال، وخواطر من المحال أن تتكرر، وصداقات تعجز اللسان عن وصفها، وعلاقات تعد رصيدا كافيا في خانة الأيام ودفاتر الذكريات خلال ستة أعوام هنا في القاهرة.

وما دام الامل لا يموت ورب السماء يسمع ويرى، “لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين” فإن لا شيء يوقف الحياة.

والسعادة لا يمكن لها الاكتمال إلا بوقف الحروب وعودة المهجَّرين قسرا الذين أجبروا على الشتات، واستتباب الأمن والاحتكام إلى صوت العقل واحترام كرامة الإنسان وعدم استغلال ضحايا الحرب والمقابر الشاسعة كوقود لحرب جديدة واضطهاد مغلف بشعارات زائفة وادعاء الاصطفاء والتشبث بالاحقية بالحكم على حساب التنوع وإرادة الناس.
عام سعيد عليكم جميعا أصدقاء واعزاء وزملاء واقرباء!

تعليقات