تسع سنوات من جحيم الحوثي في إب
إب محافظتي الجميلة، بلادي العزيزة، التي أعتز وأتشرف وأفتخر بها وأنني من أبنائها.
مدمن لحبها، سكران في عشقها، مجنون في هواها.
كنت إذا خرجت منها إلى خارجها في عملٍ ما أو زيارة أعود مسرعاً على عجالة إليها.
كنا نذهب إلى عدن مع بعض زملاء الدراسة ورفاق العشرة، فنقضي ثلاثة إلى أربعة أيام في مرح وسعادة على شواطئها، ثم نعود بلهفة إلى إب مرددين في بعض الزيارات.
الحمد لله قد رجعنا بالسلامة
ودعتك الله يا عدن
واليوم قد عدنا إلى أرض الكرامة
إب الجميلة في اليمن.
كنا نذهب في زيارة إلى صنعاء في عملٍ ما ، نقضي بضعة أيام ونعود مسرعين وكأننا خائفون على إب أن ترحل عنا من مكانها وتتركنا، وما أن نطل على جبل سمارة لنستنشق الهواء العليل فيرتاح حالنا ويستريح بالنا.
كنا نعيش فيها في أمان ، يسرنا لقاء الأحبة ، ومقيل الأصدقاء ، وزيارة الأقارب وصلة الأرحام.
تعودنا على أن نعيش داخلها مضيفين لا أن نخرج منها ضيوفاً ، تعودنا على أن نظل داخلها شابعون نطعم من جاءنا لا أن نخرج منها جائعين مشردين.
الله ما أحلى تلك الأيام التي كنا نخرج في آخر الليل مع زملاء الدراسة لنتمشى في شوارعها بعد المذاكرة ، وما أروع أن نتنقل بين جبالها وسهولها ووديانها وشلالتها صباحاً ، وأن نقضي مقيلاً على بعض سفوحها في البقعة الخضراء وكأننا في جنة أو قطعةٍ منها.
وعندما هجمت عليها ميليشيات الاحتلال الإيراني ، حولتها إلى ساحة رعب وبؤرة جرائم ، وجعلتنا نعيش في خوف ورعب وقلق ، ملاحقين مختفين داخل بلادنا ، مختطفون معذبون داخل محافظتنا التي حولتها لسجن موحش ، انقطعت علاقتنا بالأصدقاء واجتماعنا مع الأحبة ، لنقضي تسع سنوات في جحيم ثم خرجنا منها فارين مشردين لنقف نلقي نظرتنا ونحن على آخر حدودها في طرق التهريب قائلين ، والله يا إب أنك أحب البقاع إلى قلبي لولا أن الحوثي المحتل أخرجنا منك ما خرجنا.
خرجنا منها كمن ينتزع الروح من داخل الجسد ، فأجسادنا معنا ولكن أرواحنا في إب.
خرجنا من إب اضطراريًا ، مرغمون.
ومع هذا منعونا من أهلنا ومن سماع أصوات أطفالنا الذين اختطفوهم وأخفوهم عنا.
في داخل إب خوف وإذلال وسجن وتعذيب وملاحقة ومحاولة اغتيال ، وفي خارجها بعد وفراق ومعاناة وغربة وضيق حال.
خرجنا من إب وليس لنا طمع في أن نحل بأرض سواها ، ولا لهث وراء مغنم أو منصب ، إنما للعودة إليها محررين ، فمشروع التحرير هو الهاجس الذي يسيطر على تفكيرنا.
خذو المناصب والمكاسب بس حرروا لي إب.
ما أقسى أن تعيش خارج بلادك نازحاً ومع هذا لا يسجلوك حتى كنازح.
لاجئاً وليس لك حتى حقوق لاجئ.
منفياً وليس هناك من يحس بألآم النفي من داخل بلده.
خرجنا من إب وأعيينا عليها ، ننظر ونترقب تحريرها كأمل لا يمكن أن نفقده ، ولدينا يقين أننا سنعود إليها محررين أو شهداء في درب الخالدين.
تسع. سنوات وإب تعيش جحيم ميليشيات الاحتلال الإيراني ، جرائم انتهاكات اختطافات تعذيب نهب فساد استبداد.
إننا لنرى سحابك يا إب التي كانت تزخ مطراً تبكي دموعا.
وجبالك التي تجري سيولاً تنزف دما ، وبلابلك التي تصدح نشيداً تأن ألما ، وثراك التي تتوهج سلاماً تتوجع إرهاباً ، وساحتك التي كانت جنة تحولت جحيما.
إب يا من أرضعتنا لبن الحرية ، ومنحتينا وسام النضال ، وعلمتينا نهج المقاومة.
اعلم أنه لن يهدأ لنا بال ولن يقرر لنا قرار حتى نحررك وننتصر لك.
يا إب أنت دوماً معنا ، نديماً في عزلتنا ، نخاطبك شدواً وإحساساً لك قائلين.
إب يا خضراء يا سندسية
يا قمر سامر طوال العشية
جنة الدنيا وطيب الرعية
كلما شبتي رجعتي صبية
ما اجملك يا جوهرة حميرية
صاغها للأرض ربي هدية
يا بلادي لك معزة قوية
وأنتي كل العز ماله بقية
نعيشك في بعدنا حبيباً يوم صرنا بلا حبيب.
وقريباً يوم صرنا بلا قريب.
وجواباً لمن يسألنا فنجيب:
إن تسألوني من عشقت ومن أُحب
سأجيب مالي من حبيبٍ غير إب
تسع سنوات ما شعرنا أنه مر علينا عيداً ، وسيكون عيدنا يوم تحريرك.
تسع سنوات معاناة كان الموت لنا خير من الحياة ، فقط نحيا لكي نراك يوماً محررة.
وفي يوم تحريرك يا إب ، سأسجد على أرضك ، سأبوس ثراك ، سأقبل قمة جبالك ، سأداعب نسيمك ، سأصافح غمامك ، سأضمك بشدة وأتنفس ترابك نفس عميق عميق عميق ثم أموت.