هل إصلاح الفساد بتجريع المواطن أم بعزل رئيس الحكومة؟
وردتني كثير من الرسائل من بعض الأصدقاء يريدون إقناعي، بأن الجرعة التي تهدف إلى زيادة سعر البترول في مأرب، إنما الهدف منها هو إصلاح الفساد، وقلت لهم هل يكون إصلاح الفساد بتحميل المواطن مزيدا من الأعباء، أم بتخفيفها؟ وهل إصلاح الفساد يكون من أجل زيادة مرتبات الموظفين والجنود، أم بزيادة مرتبات الحكومة وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي التي وصلت إلى أرقام تجعل العقل الاقتصادي العالمي يقف حائرا أمام حجم المبالغ التي يتقاضونها؟
في اليمن وحدها، تحول الفساد من ظاهرة تخص حفنة من الأفراد والمسؤولين في مختلف مراتب الدولة إلى مؤسسة متكاملة يقودها رئيس الحكومة وترتبط مباشرة بالسعودية والإمارات، تخيلوا وزيرا يقود ثلاث وزارات ويستلم ثلاث ميزانيات وهي لا تقدم شيئا، كل ما ينجزه تغريدات تافهة، مثل هؤلاء جعلوا اليمن في المرتبة ١٧٦ من أصل ١٧٨ للدول الأكثر فسادا في العالم، حسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية، برغم وجود الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة العليا لمكافحة الفساد ونيابة الأموال العامة، لكن مظاهر الفساد والإفساد تتجذر أكثر فأكثر٠
وقد أدرك أبناء مأرب أن أموال الجرعة لن تذهب في مرتبات الجنود والموظفين الذين تصدوا لرحى الحرب وصبروا على انقطاع المرتبات لأشهر عدة، بل ستذهب مرتبات لوزراء يغردون في منصة X وسفراء لم يعملوا لصالح الوطن وإنما عملوا لصالحهم وصالح عوائلهم وأقربائهم، وأن أموال الجرعة لن تبني بيتا واحدا في المدن التي دمرتها الحرب٠
كيف يكون إصلاح الفساد بمعاقبة المواطن وترك الحكومة التي فرطت بكل ما كان اليمن يملكه من ثروات ومن مؤسسات وسيادة وطنية، بطريقة منظمة وممنهجة، وأسست لفساد التهم الأخضر واليابس؟
صحيح أن هذا الفساد صناعة سعودية إماراتية، لكن جذوره يمنية، فقد تقاسمت السعودية والإمارات مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، هذا التقاسم سمح بتأسيس دورة حياة كاملة للفساد، ولا يخفى على أحد كيف حولت السعودية والإمارات اليمن من بلد ثري إلى بلد يستجدي الهبات والودائع، ومن بلد يمتلك قامات وطنية إلى بلد من الأجراء ، تمكنوا من العبث بثروة البلد وشكلوا حكومة من اللصوص والفاسدين .!
بعد تسع سنوات من الحرب وبعد كل الشعارات التي سوقها كل طرف لنفسه واحتكر الوطنية له وجدنا ثلاث فئات تتسابق على تأجير اليمن، الأولى أجرته لإيران، والثانية أجرته للسعودية، والثالثة للإمارات، وهذه الدول الثلاث تنتقص من عملائها ، حتى وإن كانت إيران تنتقص من عملائها سرا ، فإن السعودية والإمارات تنتقصا من عملائها جهرا .
وخلال اليومين الماضيين كان المبعوث الأممي إلى اليمن قد أعلن عن وثيقة سلام، تم إعلانها بعد أن نشر مكتبه صورة له مع مجموعة من النساء وبعض النشطاء ، جميعهم أغراهم وجودهم تحت لافتة الأمم المتحدة وأنساهم مناقشة تلك الوثيقة التي تحدثت عن هدنة وصرف المرتبات ، دون الحديث عن أي مرجعية للدولة والتعددية السياسية والديمقراطية والسلام الدائم والعادل .
تعرضنا خلال تسع سنوات لعدوان داخلي قاده الحوثي وعدوان خارجي قادته السعودية ، جميعهم سعوا إلى إعادة اليمن عشر سنوات إلى الوراء وتدمير كل مقومات الدولة التي بنيت على مدى عقود، وتشكلت منظومة من الفساد، رعتها الأحزاب السياسية ومازالت تحمل المواطن تبعات الفساد وتعفي دول العدوان والحكومة المصنعة في الرياض وأبو ظبي من مسؤولية الفساد .