خارطة طريق لحرب داخلية قادمة
يمكن القول أن اليمن بلد التسويات السياسية، تسويات تُنتج استقراراً نسيباً لفترة زمنية محددة، وبمجرد أن تتغير العوامل التي أدت إلى التسوية يدخل اليمن في مرحلة من عدم اللا استقرار ريثما تتكون عوامل جديدة تنتج تسوية أخرى، عوامل التسوية في اليمن هي داخلية بفعل موازين القوى المحلية المُرتبطة بأطراف خارجية، لم يكن اليمن يوماً بمنأى عن تداعيات الصراعات في المنطقة في العشر السنوات الماضية، بل كان لهذه الصراعات دورها في تشكيل حالة من اللا استقرار والحفاظ على استمرارية الفوضى التي أدت إلى حالة التشرذم التي تعيشها البلاد مؤخراً، اليوم يُعاد السؤال المركزي والذي دائماً ما يُشغل بال اليمنيين؛ هل اليمن أمام مفترق طرق وتغير جذري لشكل النظام؟ وهل بالإمكان تغيير التوليفة السياسية التي أصابها الترهل والفساد؟ أصبح هذا السؤال أكثر الحاحاً بعد الأزمة الاقتصادية الحادة التي أصابت البلاد بالشلل، وحولت اليمنيين لطابور مجاعة على أبواب المنظمات الإغاثية.
يقوم النظام الجمهوري في اليمن على أُسس ومبادئ وطنية دقيقة جداً، وأي خلل بهذه الأسس والمبادئ سوف يؤدي إلى احتدام صراع دموي حاد وعملية استقطاب قد تؤدي إلى اقتتال على كافة الأصعدة، وبالتالي فإن أي تسوية سياسية يجب أن لا تخرج عن الأسس الوطنية التي انبثق منها النظام السياسي في اليمن، ولذا لا يمكن لأي طرف دولي أو إقليمي لعب دور الوسيط في أي تسوية سياسية أو خارطة طريق دون الرجوع لهذه الأُسس الرئيسية التي قد تلغي حقوق المواطنة المتساوية على حساب أطراف أُخرى
لقد أثبتت تجربة التسويات والمباحثات السياسية في اليمن فشلها الذريع، والسبب يعود للتدخل الخارجي المباشر في الملف اليمني الذي يشهد شُروداً واضحاً عن الهدف الرئيسي لاستعادة الدولة، ولو لم يكن هنالك تغيير في موازين القوى على مستوى المنطقة، لما اندفعت دول إقليمية ودولية إلى الإسراع في عقد تسوية تنهي الحرب القائمة في اليمن، وتركيز جهودها على سرعة إغلاق ملف الحرب وبأي ثمن كان، أما فيما يخص التفاهمات السعودية- الحوثية، فهي تفاهمات هشة عادة ما تصمد إلى شهور وقد لا تدوم كثيراً، أما القوى الحليفة للرياض فهي تخشى من نتائج هذه التفاهمات (السعودية -الحوثية) لأنها تُدرك بأن خارطة الطريق تقود الجميع لحضن الأداة التي تتحكم بها إيران بما فيهم التحالف العربي الذي يضع في حسبانه مصالحه الاقتصادية وأمنه القومي قبل كل شيء.
الحديث عن خارطة طريق هو حديث عن حرب قادمة في الداخل اليمني، وهي تُعد خارطة دعائية لن تحل مشكلة واحدة بقدر ما تُّعقد الأمور وتخلط الأوراق وتُعيد الروح للثور الهائج، وإن وجد بها سلام فهو سلام للداخل السعودي، وهنا يمكن القول بأن خارطة الطريق المُعلن عنها بمثابة قُنبلة بيد الحوثي تمنحه حق السلطة والشروع بالحرب الأهلية ضد كل الأطراف المتصارعة ومحوها من الوجود
لقد اكتسب الحوثي شرعيته من خلال تعاطي الإقليم والمجتمع الدولي معه كطرف ممثل للجمهورية اليمنية، على حساب أطراف الصراع الأخرى، هذا الأمر أفسح المجال أمامه لإعادة التمترس خلف ادعاءاته الباطلة والحق الإلهي لحكم البلاد واستعباد اليمنيين، وفيما كان الحديث عن معركة اجتثاث وبتر أيادي، أصبح الحديث اليوم عن خارطة طريق تُعيد الاعتبار لعبدالملك الحوثي وجماعته، وتُؤصلهم في صنعاء وباقي مُدن الشمال.
يفقد التحالف أوراق قوته كلما بدا الحديث عن تسوية سياسية تضمن بقاء الحوثي، ولم يعد الحديث عن أي معركة أو قوة ناعمة يستخدمها التحالف لجر الحوثيين لمفاوضات سلام أو تفاهمات بقدر ما أصبح الحديث عن ضعف مواقف سياسية تمنح الميليشيا الحق بمناقشة بنود الاتفاقيات وخارطة الطريق وانتزاع المزيد من التنازلات.
وفي هذا الإطار من المحتمل بل من المؤكد أن تقبل جميع الأطراف المعنية بخارطة الطريق المُعلن عنها، وهي خارطة طريق هشة ستبقى ممسكة بالسلاح، ولعل التاريخ شاهد على الكثير من الأحداث المشابهة، ففي الصراعات السابقة كانت تأتي الأطراف المتصارعة للتوقيع على الجوانب السياسية وترفض تطبيق الجوانب العسكرية والأمنية، ولذا فشلت جميع التسويات السابقة، ويُعد اتفاق السلم والشراكة ٢٠١٤م بين القوى السياسية وميليشيا الحوثي، أبرز مثال على ذلك حيث تم تطبيق الجوانب السياسية وتجاهل الجوانب العسكرية والأمنية، مما أدى إلى قيام ميليشيا الحوثي لإسقاط العاصمة صنعاء والسيطرة عليها بشكل كامل.
وبناء على ما سبق، فإنه يمكن القول إن هناك ثلاثة سيناريوهات لمستقبل التسوية في اليمن؛ السيناريو الأول: قد يتم التوصل إلى تسوية سياسية تحفظ ماء وجه الإقليم دون معالجة جذور الأزمة اليمنية، والذي سيبقي البلاد في حالة غليان وصراع لن يكون الإقليم في منأى عنها.
السيناريو الثاني: القبول بالتعايش مع الوضع القائم على ما هو عليه وكل طرف يحتفظ بما تحت سيطرته وبقاء البلد مقسم بين جماعات مسلحة كما هو الحال في لبنان، والعراق، وليبيا.
أما السيناريو الثالث: يتمثل في التوصل لتسوية سياسية حقيقية بين الأطراف المحلية، وهذا يتطلب وضوح الموقف الدولي والإقليمي من وحدة وسلامة الأراضي اليمنية، ووقف دعم بعض دول الإقليم للجماعات المسلحة ورفع يدها عن اليمن وترك المجال والساحة اليمنية لليمنيين.
أخيراً إذا كان هنالك من خطر قادم فهو خطر الحوثي الذي بفضل المباحثات تحول لجاثوم يجلس على صدر المنطقة والعالم، وإذا كان هنالك من تكاتف جهود فيجب أن تتكاتف الجهود لإسقاط الحوثي واجتثاث شره بعيداً عن أي دعم خارجي لضمان نجاح إسقاطه واجتثاثه إلى غير رجعة.