من جديد.. منتخب السعادة الصغير يوحد اليمنيين ويرسم البهجة في قلوبهم ويمنحهم كأسا ثانيا
منذ بدء مجرياتها كانت انظار اليمنيين مشدودة الى بطولة غرب آسيا للناشئين بنسختها العاشرة، بانتظار ان يصنع صغار الاحمر اليماني ما عجز عنه كبار الرياضة والسياسة، ويمنحون شعبا منهكا فرحة كأس؛ وفوزاً يوحدهم؛ ويرسم البهجة في بلدٍ عز عليه الفرح طيلة سنوات الوجع.
خلال مشوار البطولة كانت المفاجأة ان الاحمر اليماني يتقدم بلا تعادل او خسارة دوناً عن كل المنتخبات. ليصبح اول المتصدرين، ولم يأخذ العلامة الكاملة فقط بل وخرج مظفرا بفرحة كأس؛ وجائزة افضل لاعب وأروع جمهور، خاطفا بطولة غرب آسيا العاشرة من انياب شقيق سعودي عنيد كان اقربهم للفوز.
مؤكد ان الكأس كان هدف كل المنتخبات، غير ان أعين المراقبين تركزت على أحمر يماني صغير اعتادوا منه مفاجآت متوالية كالرائد الذي لا يَكذِبُ أهلَه ولا يخيب ظن جمهوره منذ تصفيات كأس العالم 2003 وتأهله الى مونديال فنلندا. مرورا بانتزاع البطولة ذاتها في نسختها الثامنة، وتحقيقه مركزا مشرفا في التالية، ثم كأس العاشرة، ليحفر مكانته في قلوب اليمانين بلا منازع كمنتخب للأمل وصانع للسعادة.
هي قصة عشق جماهيري لهذه الأعمار الفتية؛ المقبلة على الحياة بشغف الكبار، وحكاية امل لدى شعب غارق في اوجاعه؛ يتشبث بقشة فرح تعوض سنوات الوجع. فمثلما ارتجّت عدن وتعز وكل اليمن بهذا التتويج المستحق، كان للعاصمة صنعاء شغفها الأكبر، وما ان بدأت المباراة بين فتيان اليمن والسعودية حتى بدت شوارع صنعاء خالية من المارة وتتجمد فيها حركة المرور كأنما توقف الزمن. فالجميع على موعد مع منتخب صغير يوحد فرحهم، ولا صوت يعلو على اصوات مشجعيه أمام الشاشات، وانفاس حرى تتعالى من البيوت والمقاهي مع كل فرصة ضائعة.
شوط يماني اول مر بديعاً؛ بهدف وحيد اشعل المتابعين، واداءٍ متفوق وضغط متواصل على مرمى الاخضر الشقيق، وفرصٍ ضائعة ألهبت زفرات الملايين، ولم يلبث ان خفت بريق الاداء في شوطه الثاني بهدف للأخضر عادل النتيجة؛ لكن بريق الثقة لم يخفت لدى الجماهير، لتؤول المباراة الى ضربات ترجيحية حبست الأنفاس، فلم تكن مجرد ركلات اقدام، بل اشبه بقلوب تتقافز من الصدور مع كل ركلة، سيما بعد ضياع الركلة الاولى ثم اخرى محبطة، لكن احدا لم يغادر الشاشة، حتى اصحاب القلوب الضعيفة لم يفقدوا الثقة بفرسانهم.. الى ان دوت صافرة الفرح على وقع اقدام نجم صاعد حسم النزال بركلة قاصمة ليتنفس اليمنيون الصعداء وتدوي الصرخات من كل بيت وحارة، وتخرج العاصمة صنعاء عن بكرة ابيها دون انتظار مراسم التتويج، لتغص شوارعها بمتوافدين كبارا وصغارا انطلقوا عفويا كمن فقد صوابه!
فرحة اختلطت بها دموع الفرح اليماني بحضور فلسطين وغزة المنكوبة في قلوب اللاعبين والمحتفلين.. لتتجسد فرحة غير مسبوقة لم ينغصها سوى طلقات نارية همجية حولت فرحة بعض المواطنين الى احزان بسبب رصاص راجع اسفر عن اكثر من 15 حالة اصابة توزعت على مستشفيات صنعاء.
بطولة مبهجة برعت فيها عمان تنظيما، وابدعت منتخبات الاشقاء، وكان فيها الاحمر الصغير فاكهة البطولة الذي منح السعادة لشعبه في خواتيم عام مشئوم؛ خلا من كل مظاهر الفرح!