الحليف الرخيص وآخر الأوراق
لم يكتفي عبدالملك الحوثي وجماعته بجلب دول التحالف العربي لاستهداف اليمن وتدمير بنيته التحتية وتحويل البلد لكومة ركام تحت ذريعة محاربة أذرع إيران، لم يكتفي بتحويل اليمن لساحة صراعات عديدة وساحة أجندات سياسية دنيئة يتصارع عليها الإقليم والعالم، مازال الرجل يطمح بالمزيد، هذه جماعة وظيفتها مثلها مثل الكيان الصهيوني تُنفذ مهام، الهدف منه إسقاط دول وأنظمة وجلب آخر للمنطقة
ما يقوم به عبدالملك الحوثي وميليشياته في البحر الأحمر مغامرة كبيرة، هؤلاء قطيع مغامر، يعيشون على الأزمات والحروب، يُغامرون بما تبقى من شتات وطن، ويمارسون دناءة الارتزاق بأبهى صورها، هم يكذبون، حربهم في البحر الأحمر كحربهم على السعودية، استدعوا المملكة العربية السعودية للحرب فأتت الحرب على اليمنيين العُزل وعلى القيادات السياسية والأمنية والعسكرية المخلصة وبقى الحوثي، هذه الحرب كتلك، حماقاتهم في البحر الأحمر هي داعي للمجتمع الدولي بأن يأتي ويكمل الخناق على اليمن
لا يخوض الحوثي حرباً حقيقية كما يدعي ويكذب بقدر ما يجلب لنا الحرب ويحشد العالم علينا، يُدرك الحوثي بأن مهمته هذه هي الأخيرة، وبأن تشكيل تحالف دولي لمواجهة قرصنته للسفن في البحر الأحمر هي آخر الأوراق التي يمكن لعبها، ولذا سيُحاول افتعال حرب داخلية كبيرة لحماية نفسه من أي سقوط، ليس أمامه أي خيار سوى الانتحار بافتعال حرب داخلية خلال الفترة القادمة أو حماية نفسه بالبحث عن حلول سياسية تفضي لتسوية سياسية برعاية سعودية تجنبه الضربة القاضية التي ستكسر عُنقه
هناك استشعار دولي بأن اليد الطولى لإيران تُهدد الأمن والسلم الدوليين، وهذا ما دفع الغرب للاحتشاد بمواقفهم حول مواجهة هذا الخطر القادم من اليمن، وهنا يتساءل البعض هل نحن أمام مؤشرات تسوية أم معطيات حرب قادمة قد تشمل دول بعينها في المنطقة؟
تدفع السعودية ثمن تهاونها في حربها مع الحوثي الذي بات يُهدد مصالحها أكثر مما يُهدد مصالح المجتمع الدولي، وهي اليوم أمام مُفترق طرق وجميع الطرق تقودها إلى الخسارة والمواجهة، فيما المُستفيد الوحيد في حال حدثت الحرب هو الكيان الصهيوني الذي يدعي الحوثي محاربته في البحر الأحمر وتدعي الرياض فيه الحياد
يمضي الحوثي في طريقين لا نجاة منهم، إما خوض مغامرة جديدة، أو الرضوخ لعملية السلام، وإن كانت المؤشرات الحالية لا تُبشر بذلك، إلا أن الحوثي مجبر على إحدى هذه الطرق، بعد ما أصبح أكثر عُزلة سياسية، وأضعف قبولاً على المستوى الداخلي والخارجي، رغم محاولة ظهوره للداخل والعالم بأنه فلسطيني أكثر من حماس والقسام، إلا أنه فشل في كسب تعاطف شعوب المنطقة
تعود جذور هذه الإشكالية لسياسة الإقليم والمجتمع الدولي الذي تهاون في حربه ضد الحوثي وأسقط خيار المواجهة مع ميليشيا لا تفهم سوى لغة الحرب وكسر العظم، والتخلي عن تحالفاته المحلية لصالح تمكين الحوثي من كل شيء، حتى فيما يخص الحلول السياسية وتقديم التنازلات التي حظي بها الحوثي كانت بلا أي ثمن سياسي، أستفاد منها الحوثي داخلياً وبقي متماسكاً في جبهته الداخلية رغم ركاكته ووهنه وهشاشة موقفه
الحوثي غير مرغوب به داخلياً وهذا أمر مفروغ منه، لكن التحالفات السياسية الغبية صنعت منه جاموساً كبيراً رغم حجمه ومكانته الصغيرة سياسياً وجغرافياً، وبدلاً من حشره في زاوية ضيقة فتحوا له العواصم وأقاموا له المشاورات وشرعنوا وجوده
ليس وارد في حسابات المجتمع الدولي التخلي عن الحوثي، كحليف رخيص لها بلا أي قيمة في منطقة حساسة جداً بها آبار نفط ومضائق، حليف يُشرعن لهم التدخل والسطو على مصالح دول عديدة كاليمن الذي لن يكون آخر حلقات هذا السطو ولن يكون الضحية الوحيد في المنطقة.