منبر حر لكل اليمنيين

كبرت كثيرا يا أبي

28

قبل أيام سمعت صوتاً يناديني من داخل سيارة مسرعة قائلاً: كبرت كثيراًااا يا أبي..
إما أنه لا يعرفني وحفظ اسم كتابي أكثر من اسمي، أو أنه يعرفني ويحب عنواني أكثر من اسمي.

بالأمس قام الصديق مصطفى راجح بدعوة شخص إلى مقيلنا، وكان قبل أيام يتحدث عني أمامه، وحين نطق اسمي قال له: كبرت كثيراً يا أبي.
جميل أن يلتصق اسمك كعنوان في أذهان الناس.

ربما أن الذين أحبوا هذا الديوان هم أيتام مثلي، ووجدوا فيه ضمادة لهذا اليتم!!.. لا أظن ذلك.. سيخرجون منه بجرح مفتوح، وستظل فزاعة اليُتم تلاحقهم في أحلامهم.

في شهارة، ومدن يمنية كثيرة يقولون: الأب رب.
الكثير من الناس لديهم مشاكل مع ٱبائهم، والكثير أيضاً لا يرون سقفاً أعلى من ٱبائهم، وهناك من فقد أباه وشده الفضول لقراءة الديوان لعله يجد أباه بين السطور، فيخرج من قراءة الكتاب وقد وجد نفسه عجوزاً يتوكأ على عكاز أبيه، فيتحسس جيبه بحثاً عن حبوب الضغط أو أقراص البيسيدول لإطفاء الحموضة التي باغتت معدته دون أي سبب.
ربما سيرى نفسه أكبر من أبيه إن كان الحلاق غير سريع في إخفاء الشعر الأبيض الذي يضيء على ملاية الحلاقة السوداء، وهو يكذب على نفسه أن هذا الشيب بسبب العطر. مع أنه منذ عشر سنوات لم يشتر زجاجة عطر واحدة، لأنه يعيش دون مرتب ودون سبب لشراء العطر.

أصبحت قائمة هاتفي مليئة بأرقام أشخاص لا أعرفهم. يرسلون إليٌَ أرقامهم، وبجانبها طلب بإرسال الكتاب إلى الواتس. وهذا يفرحني كثيراً. ويفرحني أيضاً حين أقرأ تعليقات القراء، بعضهم يقول إنه قرأه دفعة واحدة من الغلاف إلى الغلاف، وبعضهم يقول إنه قرأ الكتاب مرتين وثلاثاً..
مثل هذه التعليقات تجعلني أتنفس بعمق، وأبتسم، وأشعر بالأوكسجين يملأ صدري، لأنني نجحت في ما اشتغلت عليه، ولأن ما كنت أريده أن يصل، قد وصل.

كثيرون لا يطيقون قراءة قصيدة النثر. أعرفهم جيداً، (حتى أنا لا أطيق قراءة قصيدة النثر المكتوبة حسب شروط سوزان برنار وحسب مواصفات المنظرين الذين هم أنفسهم لا يجيدون سوى تعقيد قصيدة النثر وطمس ملامحها في عيون القارئ). وكثير لا يقرأون سوى الشعر العمودي فقط. أحببت أن أختبر خلطتي وأرسلت لهم الكتاب ونمت، وأنا على يقين بما سيقولونه في اليوم التالي: هو هكذا النثر؟ لماذا لا نفهم القصائد التي نقرأها؟ لماذا هذا الكتاب مفهوم.. أحدهم يقول قرأته مرة. وٱخر يقول مرتين، وثالث يقول قرأته ثلاث مرات..
فأشعر بما يشعر به الغني حين يصله إشعار من البنك برقم رصيده الذي يكبر كل يوم.
أنا غني بأصدقائي، وبقرائي، وبكل شخص أرسل لي يطلب الكتاب.
وحسبي أنني نجحت في هدم جدران كثيرة كانت تحول بين القارئ وبين قصيدة النثر، التي كانت حكراً على النخب الجوفاء.
لم أقل كل ما أريد.. مازال هناك الكثير من الكلام.. ربما أقوله غداً.

تعليقات