الكهنوت الحوثي ونهج الاستثمار في الحروب
قضى دون كيخوت، بطل الروائي العالمي سيرفانتس، سنوات عمره يحارب الشر وينتصر للخير، يسحق أعداء الحياة، يواجه طواحين هواء على متن حمار.
يقاتل وحيدا تحرسه أعين أميرة لا تُرى، أميرة تشبه القدس بالنسبة للممثلين الجدد، الجمهور المضلل ومحور المقاومة والممانعة، إيران وحزب الله والحوثي.
لم كل هذه الضجة حول غزة وفلسطين ولا نرى طحينا؟
لأن المعركة بسيطة بالنسبة لمحور المقاومة وإعلامهم المخاطب لأمة مهزومة مسكينة، تبحث عن انتصار، كيفما كان، لا يلزمهم شيء سوى مخاطبة العواطف وتسويق الانتصارات، على طريقة بطلنا الشرس، دون كيخوت.
الناس تحتاج لأوهام وعاطفة، تهرب من واقعها لتشعر أنها أفضل من غيرها، ما يحدث معنا كيمنيين، ما نراه من حالة تطبيع والتفاف مع الحوثي تؤكد حالة هروب كبير، أزمة يعيشها الشعب اليمني لغياب أي مشروع سياسي يلتف حوله.
يزايد الحوثيون بفلسطين، وهذا ديدن أم الجماعة ومليشياتها في المنطقة “إيران”، ولغة استبدادها وقمعها للشعب الإيراني وحراسة تخلفها المقدس، فلسطين والقدس.
لا يمكن لهذه الدولة الفاشية ولا لمليشياتها أن تبقى دون حروب ومشاريع موت، إنها الطريقة المثلى لإرهاب من يفكر بحريته وأبسط حقوقه والتجرؤ على قول لا، طريق الوهم والخيال، الممانعة والمقاومة، مشروع فضفاض مناسب للعقل العربي ولربح طويل الأمد.
عشرة أعوام من سيطرة الحوثي على صنعاء، لم يجرؤ أحد على طلب ماء أو ضوء أو مرتب، إلا وواجهته جماعة الحوثي بالقتل والسجن والتنكيل رافعة اسطوانة “نحن في عدوان”، وما إن بدأت اللغة تنسحب منها حتى أغاثتها الطبيعة بزفرة حرب جديدة، تتنفس من خلالها ولأعوام مديدة على ما يبدو، “نحن نواجه اسرائيل”، وانطلقت لتثبت للغوغاء مواجهتها لاسرائيل بقرصنة سفن في البحر الأحمر، وتقديم خطاب اغاثة ونصر لفلسطين.
لا شيء من هذا مستغرب، الغريب أن ترتفع أصوات الغوغاء العاطفية لتؤثر على خطاب المثقف، أمل البلاد الوحيد في ظل الموت العام، أن تصادف مثقفا يعرف ما فعلته وتفعله إيران وجماعة الحوثي بالشعب اليمني وبه، ورغم ذلك يرى فيها مؤخرا جماعة تحمل مشروع مواجهة لإسرائيل.
أرعبني نقاش أخير مع أحد مثقفينا الكبار، قال بالحرف الواحد “ليس وقت الحديث عن حصار حوثي على تعز ولا عن جرائم اعدام وقنص أطفال، إنها أخطاء فردية تُنسى”!، أخطاء فردية وتُنسى! وانت من عشت وتعيش أقسى مما عاشه الفلسطيني على يد اسرائيل، “أنا من أعيش في لندن لن أنسى ولن أغفر” رد عليه صديق شردته جماعة الحوثي.
خطاب يضعك في حيرة لتوصيفه، إنه العبودية المختارة، التسليم والاستسلام بعد فقدان الحيلة والملل من مواجهة طال مداها، التصالح مع العار وتجاهل الظلم بإنكاره، إن حالفني التشريح.
لقد فقدنا كيمنيين البوصلة، سياسيون يتخبطون، مثقفون سلموا عقولهم للجمهور وتأثروا به بدل أن يؤثروا عليه، التقاء جماعات دينية بشكل واضح ومعلن وقذر كما لم يسبق من قبل، ولكأن أحداث غزة جاءت لتعرية الجميع.
لقد كان كل من يهادن الحوثي بكلمة واحدة خائنا، وبين عشية وضحاها صار من ينتقدهم أو يلفت الناس نحو ما يفعلون مخطئا إن لم يكن صهيونيا!
المخيف أن يتجذر الوهم أكثر، أن يعتاد الناس العمى وينكرون الضوء، أن يألفوا العار، أن يدمنوا الصفع على وجوههم ومؤخراتهم كمازوخيين في حضرة رجل دين سادي او امرأة متمرسة تعاني من ذات الرغبة المتوحشة.
المخيف أن نواصل الصمت والتماهي مع الزيف الذي يوشك أن يُخرسنا جميعا، أن لا نرفع أصواتنا وبنادقنا لتوضيح الواضح وتأكيد المؤكد، معركتنا مع كهنوت مزق جمهوريتنا وعلمها، مع الحوثي ولو تعلق بأستار الكعبة، التي هدمها أهون من اراقة دم امرئ واحد، وقد قتل الحوثي أكثر 17 الف مواطن، في محافظة تعز المحاصرة وحدها.
من هكذا منطلق يصبح تأييد الحوثي في أي شيء، هو تأييد لما فعله ويفعله بنا منذ عشر سنوات، مغفرة لما فعله بنا أجداده الاوائل قبل سبتمبر 1962، بل وأخطر من ذلك، تحفيز نسل الكهنوت لفعل ما هو أبشع باليمن واليمنيين، تحت يافطة مواجهة إسرائيل هذه المرة.
*نقلا عن نيوزيمن.