منبر حر لكل اليمنيين

كل حرب تلد السلام الذي يليق بها

31

تفجرت الحرب في اليمن، وكان محور الصراع هو دولة المواطنة، وهوية اليمن العربية، وعلاقتها بمحيطها، والموقف من مشروع الاستقطاب الطائفي بعناوينه التي أخذت تقسم المنطقة وتهدد استقرارها.

وفي حين أخذ الحوثيون يتعاملون مع الحرب باعتبارها أسلوب حياة لا غنى لهم عنها كجماعة لا يهمهم أمر الدولة، فإن المتمسكين بالدولة نظروا اليها كرافعة لقيم السلام والاستقرار وبناء الدولة، وأنها، أي الحرب، لا يمكن أن تكون، إذا ما فرض عليهم أن يخوضوها، حالة مستقلة عن كل تلك الأهداف.

ربط المنضوون تحت راية مشروع الدولة الحرب بتعظيم قيم السلام في مشوار استعادة الدولة اليمنية من أيدي الحوثيين، ومعها التغلب على ما تواجهه المنطقة من تهديدات وتدخلات إيرانية.

غير أن أمور الحرب والسلام في بلد ذي مكانة جيوسياسية هامة، ومهدد بانقسامات وتفكك بناه السياسية والثقافية والاجتماعية، لا تتقرر بارادة مستقلة عما يحيطه من متغيرات وصراع مصالح، فتضخيم قيمة الحرب غالباً ما يتم في مساحة أوسع من الرقعة التي تجري فيها الحرب، وخاصة حينما يقف وراءها مشروع يهدد أمن دول أخرى في المنطقة. وفي تساوقٍ مع ذلك التضخيم الذي انتهى بمصالحات جيوسياسية أبقى على المشكلة في إطار الرقعة جرت فيها الحرب، مع موجز يلخص المشكلة بأنها يمنية -يمنية، وأن اليمنيين وحدهم المعنيون بحلها، وأن عليهم أن يتفاهموا فيما بينهم – فلم يعد هناك ما يزعج المنطقة من انقلاب الحوثي ومن التدخل الايراني في اليمن، حتى وإيران تنقل معركتها إلى بحر العرب، والبحر الأحمر لعسكرتهما في خلط واضح للأوراق – يجري تضخيم قيمة السلام بوعود فيها من الغموض ما يجعلنا نعتقد أن طبيعة الحرب التي جرت، وتوقفت في المكان الذي ربما تنتهي عنده، قد قررت سلفاً طبيعة السلام الذي يراد له أن يتحقق.

سارت الحرب وعبرت من جانب الطرف المقاوم للانقلاب العسكري الحوثي عن رفض لمشروع سياسي وثقافي خطير على هوية اليمن وعلى المنطقة عموماً. غير أن ذلك الرفض تم تفكيكه خطوة خطوة ليبدو الأمر وكأن المعضلة تكمن في غياب التفاهمات السياسية واسلوب إدارة العلاقة والمصالح بين دول المنطقة، وأن المشكلة اليمنية، وبالتالي الحرب، هي مجرد ملحق لتلك المعضلة.

وبعد ذلك، وفي ظل تمسك الانقلابيين بالحرب وبمشروعهم الانقلابي وأهدافه، أخذ الطرف المقاوم لهذا المشروع يعبئ نفسه للسلام متجاوزاً حقيقة أن الذين انقلبوا على الدولة والتوافق السياسي، وفرضوا عليه الحرب يهيئون أنفسهم لفرض السلام الذي يتناسب مع طبيعة الحرب التي استقر عليها الحال بشكله الذي جعل منها ما يمكن اعتبارها حرباً رديئة.

إن الحرب تلد السلام الذي يليق بها. ولا يمكن لهذه الحقيقة أن تُحجب في حالة اليمن الذي يتحرك اليوم نحو السلام فوق ألغام مخفية، وأخرى مكشوفة جاهزة للتفجير.

في ضوء ما نشر من خارطة لمشروع السلام لا بد من فحص مستوى الاستعداد الذي هيأته الجهود الإقليمية والدولية للتعاطي بدرجة من الواقعية مع حقيقة أن الحرب تلد السلام الذي يليق بها، ومساعدة اليمنيين على تحقيق سلام يراعي حاجتهم إلى صياغة مستقبل يتجاوز تلك الحرب التي اصبحت بفعل عوامل كثيرة “رديئة”، والتي يخشى أن تلد سلاماً رديئاً.

وعلى كل حال، فليس كل حرب رديئة تلد سلاماً رديئاً، فقد أدى أحياناً التدخل الدولي والقاري النزيه والتوافقات الوطنية إلى أن تلد تلك الحروب الرديئة سلاماً جيداً، مثال على ذلك “رواندا”.

والجهود الدولية والإقليمية، إلى جانب ما يجب أن تكون عليه من جدية ونزاهة، فإن المعنيين أنفسهم بالسلام لا بد أن يكونوا قد أدركوا ما تعنيه الحرب، وما يعنيه تدمير الأوطان، وما يعنيه أن يبقى شعب ذو تاريخ عريق مشرداً، فقيراً، جائعاً يتسول المساعدات الانسانية.

أقول، إذا لم يكن هناك استعداد حقيقي عند أولئك الذي صنعوا المشكلة بانقلابهم الدموي في أن يتخلوا عن مشروع الحرب، والتوقف عن لعب دور الوكيل للنفوذ الأجنبي الذي يهدد عروبة اليمن واستقراره، فإن المرحلة الأولى من خطة السلام ستفسد المراحل اللاحقة، أي أنها ستعزز قدراتهم في مواصلة التمسك بمشروعهم الانقلابي. وما حدث أثناء الهدن، وحتى اليوم، إنما هو دليل كاف على أن كل خطوة نحو السلام كانت توظف لتكريس مشروع الحرب.

أقول قولي هذا وأنا ضد الحروب ومع السلام والحوار والتفاهم والتعايش، ولكن عندما يتبندق المتغطرس ليفرض خياراته في أن يقتلك بالحرب أو يغتالك على طاولة السلام، فلا بد من التفكير بجدية وبعمق في تلك الحقيقة التي أكررها وهي أن طبيعة الحرب تلد السلام الذي يليق بها، وخاصة حينما يكون الخصم وكيلاً لمشروع دخيل لا يعنيه سلام بلده بقدر ما يهمه تشجيع وتوسع ذلك المشروع.

أتمنى أن أكون مخطئاً، ويتحقق سلام ينهي الحرب ويحقق الاستقرار، وبس.

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك

تعليقات