منبر حر لكل اليمنيين

منذ زمن طويل لم أكتب بالقلم..

44

منذ زمن طويل لم أكتب بالقلم..
أكتب هذه الثرثرة بالقلم الأحمر، ليشم القارئ رائحة الحبر.
ساء خطي كثيراٌ.. كنت خطاط المدرسة، وكنت أفكر بفتح محل خط في طفولتي، وأتخيل شكل اللوحة على بوابة المحل مكتوب عليها: الخطاط عبدالمجيد.

ثلاث مجموعات شعرية، وأكثر من ألف وأربع مائة مقال كتبتها بالكيبورد.. أصابعي لم تعد معتادة على الإمساك بالقلم.
في الكيبورد، الحروف جاهزة، لا تحتاج سوى الضغط عليها.. الفواصل والعلامات والتنوين مرصوفة أمام عيني، أختار منها ما أشاء. كلها حروف افتراضية وليست حقيقية كالتي نكتبها بالقلم.
أكتب الٱن وأنا أخشى ألٌِا أتعرف على خطي في الصباح.
تذكرت علبة الحبر، والقلم الباركار، وأقلام الخط المقصوصة. كان القلم أجمل هدية أتلقاها. ما زلت أحتفظ بأقلام من طفولتي، وقمصان امتلأت جيوبها ببقع الحبر.
أتذكر القلم أبو أربعة ألوان.. وأتذكر الأقلام الذهبية، كان المغتربون في السعودية يعودون إلى اليمن وهم يضعون في جيب الثوب قلماً بلون الذهب ليكتمل التطقيم مع السن الذهب والساعة الرادو الذهبية. كنت أظن حينها أن السعودية تصرف لكل مغترب سناً ذهبية.

تذكرت قلم رئيس المحكمة.. قلم أسود كبير، يليق بمنصب رئيس المحكمة. وأنا أتخيل هذا القلم يرتعش حين يوقع على حكم إعدام.
تذكرت قلم كاشف عداد الماء، قلم سيء مليء بالعطش. وتذكرت قلم الطبيب الذي يضعه في ثقب مثبت على مكتبه، ويربطه بخيط طويل من المطاط يشبه خيط الهاتف الثابت..
تذكرت أقلام الرسائل التي كانت تكتب باللون الأحمر والوردي.. وأقلام البنات التي كانوا يخلطون حبرها باللماع الذي يجعل الحروف تتلألأ كالنجوم..
أما الأقلام ذات الحظ السيء هي التي يضعها النجار خلف أذنه دائماٌ، ولا تكتب إلا على الخشب.

تعطل تلفوني فتبازغت كل الأقلام في ذهني.. حتى الأقلام التي ألقوها في البحر لاختيار قربان، وخلف الأقلام تم إلقاء النبي يونس إلى حلق الحوت.

تذكرت الأقلام التي تكتب البصائر. كنت أتساءل: لماذا كل البصاير خطها متشابه.. هل لهذه الأقلام نظام في الكتابة على الورق الكاكي، أم أن كتاب البصاير يكتبون بيد واحدة؟
قلم تسجيل الديون، دائماٌ يكون مربوطاٌ بخيط مطاط ملفوف على دفتر البقال. كانوا يسمون دفتر الديون “مسخرة”.
كنت أرصف أربعة أقلام في جيب الجاكت الداخلي.. أحمر.. أخضر.. أزرق.. أسود.. كانت هذه الأقلام تبدو في جيبي مثل إشارة المرور.
وحين كبرت رأيت الأقلام التي يمسكها المفكرون والكتاب وهم يصطنعون وضعاٌ تأملياٌ أمام الكاميرا، ويمسكها الشعراء وهم يحدقون في السقف كأنهم ينتظرون نزول الوحي.
وأسوأ الأقلام التي تطبل للسلطة والأغنياء، لأن حبرها يكون من ماء وجه صاحبها.

ها أنا أعيد بالكيبورد ما كتبته بالقلم، وأنا أتذكر دعوة جدتي وهي تقول: الله يعلي قلمك.

تعليقات