“2 ديسمبر” وشموخ البطل العنيد
لا يزال الزعيم يهزم خصومه من مقر إقامته الأخير في ثلاجة الموتى.
لم يكن الزعيم علي عبدالله صالح بهيا ومشرقا في حياته ومؤثرا في خطابه مع الناس وشجاعا في موقفه وفي طرحه مثلما كان عليه حاله في انتفاضة الثاني من ديسمبر سنة 2017م.
ولم يكن خصومه السياسيون على مستوى عال من “السفالة” ومن “الوضاعة” و”الدناءة” و”الرخص”؛ مثلما كانوا عليه في نفس ذلك اليوم الفارق في حياة اليمنيين.
بينما كان الزعيم يومها وحيدا يخوض معركة الخلاص من “الحوثيين” وجها لوجه في عقر دارهم؛ ويتقدم المواجهة غير المتكافئة معهم بنفسه من داخل بيته؛ بين أهله وذويه وعدد قليل من رجاله المخلصين.
كان الزعيم صالح بطلا شامخا يومذاك؛ يؤدي الدور البطولي في مشهد درامي خالد ومؤثر وصاخب وحافل بكل معاني الشجاعة والاستبسال في لحظات صعبة ومصيرية أظهر فيها رباطة جأش الشجعان في صورة بطولية نادرة.
وكان خصومة السياسيون في المقابل أقزاما هاربين من الميدان؛ يتابعون المعركة الدائرة في محيط بيته المحاصر؛ من داخل غرفهم الفندقية بعواصم البلدان التي يعيشون فيها؛ مبتعدين تماما عن مكامن الخطر الوشيك الذي يهدد حياتهم ويرصدون الحدث بحسابات واهنة وأياديهم مطروحة على قلوبهم من شدة الخوف لو تحسم المعركة لصالح الزعيم الذي لا يقهر ولا يعرف الهزيمة ولا الاستسلام.
كان الزعيم بطلا منفردا في معركة الخلاص الأخير من الحوثيين الذين أحكموا السيطرة على كل شيء دونه؛ وكان خصومه مجرد “جرذان” مختبئة في جحورها يشاهدون ما يحدث وهم يتمنون له هزيمة ساحقة تطعفر تاريخه بأي طريقة كانت؛ ومايشتوا يشوفوا صورة البطل العنيد وهو يصارع الموت بكل لياقة ودون خوف من أي شيء، ويتابعون أخبار القتال في محيط بيته بكل خسة ولؤم؛ بانتظار متى يسقط الثور ويموت لتكثر حوله السكاكين في نهاية المشهد التاريخي الذي لن يكرره أحد بكل تأكيد غير الزعيم علي عبدالله صالح.
لقد حاول خصومه الاقزام أن يقتلوه من قبل ذلك وأن يتخلصوا منه بطريقة بشعة في جريمة “تفجير جامع الرئاسة” وذبحوا الثيران ووزعوا لحومها على الناس في الشوارع ابتهاجا بما فعلوه به وفي ظنهم أن الرجل قد مات.. ولكن الزعيم كان بطلا شعبيا بسبعة أرواح وبقلب من فولاذ، وهزمهم بصوته المجروح والمذاع يومها عبر شاشة تلفاز صنعاء وهو يقول لأبناء شعبه بكل جسارة “أنا بخير ما دمتم بخير”.
ولم يشك ولم يبكِ،ولم يقدح ولم يفقد بوصلة صوابه، ولم يجنن ولم يحرض بالمطلق على أي أحد من خصومه..
تماما كما هو حال سلوك الأبطال النادرين في معارك الشرف الأخير
الأمر ذاته تكرر في “انتفاضة 2 ديسمبر”، لقد حاول خصومه السلاليون أن يهزموه بطريقة شنيعة وأن يبخسوا تاريخه ونضاله وحضوره الطاغي في المشهد الأخير ليتخلصوا من جماهيريته؛ وتمكنوا بالفعل من قتله، ولكنهم لم يتمكنوا على الإطلاق من قتل رمزيته كبطل شعبي من عيار أبطال حمير الصماصيم
وخاب مسعاهم الخسيس لتشويه صورته البطولية العظيمة في نفوس الناس؛ بحكايا هروبه من المعركة.
لم يمت الزعيم في معركة الخسة الأولى التي أجبر على خوضها في سنة 2011م هذا صحيح.. ولكنه مات في معركة الخسة الثانية في سنة 2017م، ليجد خصوم الخسة في مقتله ذاك فرصة للرقص على جثمان بطل مهاب ملفوف داخل بطانية حمراء، وتبادلوا أخبار الانتصار عليه بكل وضاعة وصفاقة، ونطت إلى السطح خساسة السخرية من مصير البطل الذي اختتم حياته وتاريخه السياسي بالذهاب إلى ثلاجة الموتى.
وسمعناهم كثيرا يتحدثون بكل ابتهاج من بعد ذلك عن “الزعيم المثلج”!، وعن زعيم البطانية أبو تفاحتين!
غير مدركين تماما أن صالح المرجوم في الثلاجة صار يحظى الآن في نفوس الناس بدورة حياة جديدة وعظيمة ستدوم أطول بكثير جدا من حياته الفعلية التي كان عليها أثناء معاشه خلال سنوات عمره الفائت.
ولو أقمنا مقارنة سريعة الآن بين كل هؤلاء الخصوم الفاشلين الذين لا يزالون على قيد الحياة وبين الزعيم صالح؛ أو “الزعيم المثلج” كما يتحدثون؛ سنكتشف أنهم جميعا أمام جثمانه الطاهر مجرد جثث تتحرك بمشاعر متجمدة حيال واقع حال الشعب الذي يعيش في الجحيم، على عكس الزعيم تماما، فهو لا يزال حيا في قلوب أبناء شعبه حتى هذه اللحظة، ولا يزال يهزم كل خصومه الأغبياء بكل لياقة ودهاء من داخل مقر إقامته الأخير في ثلاجة الموتى.
(ألف رحمة عليك يا علي عبدالله صالح)
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك