العملية السياسية في اليمن بين غياب الاساسات ومعطيات مظلمة قبل وبعد الانقلاب 2-2
انتفاضة ال 2 من ديسمبر الرسالة الأخيرة لشراكة هشة
استغل الحوثيين مجريات الحوار الوطني المنعقد بتاريخ 18 مارس/ 2013 إلى 25 يناير/ 2014. ما يقارب 10 أشهر في فندق “موفنبيك” شرق العاصمة بالقرب من تجمع أكثر ثلاث سفارات فاعلة في الملف اليمني خلال العشر سنوات التي بدأت قبل الربيع العربي؛ هما سفارة (قطر – بريطانيا – أمريكا) إلى جانب المملكة العربية السعودية.
كانت هناك مجموعة من قوات (المارينز الأمريكية) تنزل بشكل دائم في فندق (الشيراتون) القريب من السفارة الأمريكية الواقعة بمنطقة سعوان وكانت ذات مهام متعددة وربما تحركات محدودة بعلم وتنسيق الحكومة.
في حين كان يسير مؤتمر الحوار برعاية وضغط دولي الذي تلا (مبادرة الخليج) برعاية السعودية، كانت أنظار الشارع العربي من تونس إلى مَسقط تشيد بالحراك السياسي بين مختلف القوى والكيانات من جهة وبينها والنظام من جهة ثانية وتماسك البلاد رغم كل شيء.
فشل الحوار الوطني فشلا ذريعا أو لنقل انتكس بشكل غير متوقع؛ بحكم ما كان يعول عليه من نتائج كبيرة، وكان كل طرف يحمل الآخر مسؤولية الفشل، طرف المؤتمر الشعبي العام الذي كان يدير النظام قبل ذلك برئاسة الشهيد علي عبد الله صالح، وأحزاب اللقاء المشترك ومن ورائهم مجاميع من شباب الساحات.
في الحقيقة كانت هناك مشتركات أدت إلى هذه الانتكاسة تتحمل قوى المعارضة جزء كبير منها كونها كانت المتسبب في عملية الشحن وتحريف مضامين الحوار، ومحاولة التوصل إلى مخرجات غير منسجمة مع الواقع السياسي للشارع التي كانت تعتقد جازمة أنها قد امتلكته وأصبح بشكل كامل معها أو في متناول يدها، دون مراعاة كثير من البديهيات.
كانت هذه القوى لا تزال تتأهب للحكم رغم باعها الطويل في العمل السياسي، لكنها أبدت توجس مبالغ فيه وخشية واضحة وغير مبررة في كثير من المنعطفات تجاه الحزب الحاكم، أو لنقل تجاه شخص الرئيس علي عبدالله صالح وعائلته؛ وهو ما عقد مسار المصالحة والحوار ليس لأن الأخير كان عائقا على الأرض وقد سلم كل شيء بما فيها المقدرات والعلم الجمهوري الذي أُسقط لاحقا بمجرد أن بدأ تفكير الرئيس هادي يذهب باتجاه اللعب من خلال إيجاد توازنات في الصراع بين القوى السياسية والقبلية غير مدرك لمخططات الحوثي وتراخي المجتمع الدولي.
كان هناك طرف ثالث يعمل بهدوء الثعالب، وهو يتجاوز في مظلوميته وحيلته وغدره حتى “القضية الجنوبية” وباقي القضايا، انهم (أنصار الله) الحوثيين الذين يستندون في أحلامهم إلى 14 قرنا من التاريخ المليء بالصراع الديني والسياسي، وتعرضهم للظلم على يد أمراء بني أمية؛ ناهيك عما كانوا يدعونه من ظلم النظام السابق ومن كان حوله من القوى المساندة له.
حوار بلا سقف وجماعة بلا بريك
شعرت الجماعة بأنها أمام مشهد مغري مفاوضات بدون سقف خاصة وأن (قضية صعدة) المحافظة التي تقع شمال اليمن والتي تحد السعودية من الجنوب، وكذلك (القضية الجنوبية) كانتا محورًا رئيسيا داخل أروقة الفندق، إضافة إلى حامل المظلومية لدى الطرفين.
تاليا ظهرت القضية، التهامية والحضرمية وبدأت معزوفة “الأقاليم” كما بدأت بعض الشخصيات المطالبة ببعض الامتيازات، كالحصول على شركات اتصالات مماثلة لما هو معمول به في صنعاء، تخص أبناء الجنوب وحدهم من اجل توظيف الجنوبيين، وهكذا دواليك بدأت عملية الانقسام الحاد والبعض طالب بفيدرالية واضحة، آخرين كانوا مصرين على الانفصال دون شروط.
جاء اتفاق “السلم والشراكة” في 21 سبتمبر 2014 والذي تحفظ على بعض بنوده الحوثيين أو بالأصح تم رفض التوقيع على “الملحق الأمني” ليعودوا مجددا ويوقعون عليه في 27 سبتمبر.
بحسابات سياسية كان الاتفاق إعلان فشل كافة المحاولات السابقة في رأب الصدع وردم الفجوة بين أطراف الصراع على أسس وطنية.
جاء الاتفاق في لحظة فارقة كان الحوثيين قد ابتلعوا كثير من الجغرافيا من الناحية الشمالية من جهة صعدة معقلهم الرئيسي ليصلوا لاحقا إلى شوارع عدن.
الفوضى في طريقها للكمال
كانت الشواهد مخيفة رغم الرغبة التي ابدتها دول التحالف العربي وموجِّهات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي؛ انفجرت الحرب في 26 مارس 2015 بقرار تم الإعلان عنه من العاصمة (واشنطن)، من قبل (عادل الجبير) وزير الخارجية السعودي وبمباركة أمريكية بكل تأكيد.
الناطق العسكري باسم عاصفة الحزم اللواء (أحمد عسيري) كان قد حدد أهداف هذه الحرب بثلاثة مطالب: تحقيق السيطرة على المجال الجوي في اليمن، الحفاظ على الدولة اليمنية، وأخيرًا إنهاء خطر الصواريخ البالستية.
استطاعت دول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية ضرب كل المقدرات من منشآت عسكرية ومبان وجسور ومنشآت مدنية وحتى رادرات الطيران، بحثا عن قيادات تابعة لمليشيا الحوثي حسب زعمهم.
اتجه مسار الحرب نحو تقوية الحوثي سقط الكثير من الضحايا وتحولت العاصمة التاريخية وجبالها المحيطة إلى أماكن لتجارب أقوى القنابل الفتاكة وسط نشوة الحوثيين (أذرع إيران) وسخط شعبي واسع رغم انقسامه ضد العمليات العسكرية التي استهدفت حياة اليمنيين ومكاسبهم التحتية والثقافية والاجتماعية.
كارثة الصالة الكبرى
كبار مسؤولي الدولة عسكريين وامنيين ومدنيين في صالة واحدة لتأدية (واجب العزاء) في وفاة والد وزير الداخلية المعين من الحوثي (جلال الرويشان)، قَصف الطيران صالة العزاء بصواريخ موجهة ودقيقة، ظلت رائحة شواء لحم الضحايا لأيام تجوب انوف الزائرين.
قُصفت الصالة الكبرى في 8 أكتوبر 2016، كان الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) قد أفاد بأن التقارير الأولية تشير إلى مسؤولية التحالف بقيادة السعودية عن القصف، ورغم نفي الأخيرة إلا أن قناة (بي بي سي) كانت كشفت الحقيقة وأقرت المملكة بشكل غير معلن بأن إحدى طائرات التحالف العسكري قصفت مجلس عزاء في صنعاء.
حدثت الغارات عندما كان عشرات العسكريين والضباط التابعين غالبيتهم لوزارتي الداخلية والدفاع مجتمعين للمقيل، وقتل في الغارة ما لا يقل عن 40 ضابط ولواء وآخرين برتب ومناصب عالية كان أبرزهم (علي الجائفي) أحد قيادات (الحرس الجمهوري) البارزين، واللواء (عبد القادر هلال) واحد من أهم الشخصيات المؤثرة وأكثر من مائة آخرين كثير منهم مدنيون.
كشف ضرب الصالة أن المستهدف ليس جماعة الحوثي إنما اليمن الذي كان قد تشكل خلال الأربعة عقود الماضية؛ وان الرغبة جامحة لدى كافة الأطراف المشاركة بما فيها المملكة وأمريكا وبريطانيا والإمارات في إعادة البلد إلى ما قبل 40 عاما، أو بالأصح إلى ما قبل 1200 عام من حكم الإمامة من واقع التعاطي مع جماعة الحوثي التي جاهرت بالعداء لكل شيء تحت غطاء مشروع جديد يخصها واجندتها الإيرانية في اليمن والمنطقة.
تسببت عملية ضرب الصالة بتفكيك منظومة سياسية عتيقة، كان يعول عليها في تغيير الموازين أو على الأقل تأجيل السقوط الذي وقعت فيه البلاد بين يدي مليشيا أجهضت كل عمليات السلام وقتلت روح الإنسان تحت ذريعة محاربة العدوان الصهيوني الأمريكي السعودي.
منعطف الفوضى الحوثية
توقفت عملية التنمية في البلاد؛ تم إلغاء كل أسس العمل الديمقراطي وتبني مشروع الصوت الواحد والزعيم الأوحد (السيد) وهو المرجع والآمر الناهي، وتمت محاكمة الواقع من خلال تاريخ يبدأ من “سقيفة بني ساعدة” ولم ينتهي عند مقتل مؤسس الجماعة (حسين بدر الدين الحوثي).
فُتحت الأجواء لمعارك اختارتها السياسة الإيرانية الجديدة في اليمن على حساب الشعب اليمني، وبدأ النفخ في روح المليشيا من قبل المجتمع الدولي، ساعده في ذلك عدم إدراك القوى السياسية داخل البلد لما ستكون عليه البلاد في وقت لاحق.
بدأ الحوثي يمسك زمام الأمور بعيدا عن أي مكون آخر باستثناء (المؤتمر الشعبي العام) المنقسم على نفسه إلى مجاميع، قيادات في الرياض وأخرى في القاهرة ومسقط وأبو ظبي، ليبق مؤتمر الداخل برئاسة (صادق امين أبو رأس) رهينة لدى الحوثي وتحت رحمته وباقي الأعضاء المشاركين في الحكومة والمؤسسات كومبارس أو “حصان طروادة” يتحكم فيهم أصغر مشرف لا يتجاوز عمره عشرين عاما.
ال2 من ديسمبر نهاية حقبة أم بداية ثورة
وصل الرئيس الشهيد علي عبد الله صالح إلى نهاية النفق مع الحوثيين، بعد محاولات احتواء الجماعة وعدم الذهاب نحو مزيد من التصعيد، لكن المليشيا كانت قد اتخذت قرار التصفية، ضيقت الخناق بضوء أخضر (ايراني) ودعم من (حزب الله) اللبناني وتقاعس عربي إقليمي واضح، لعب الجميع دورًا في المشهد التراجيدي سبقه قرار (البند السابع) وعقوبات غير منطقية وظالمة بحسب سياسيين.
في ال 2 من ديسمبر 2017 اندلعت شرارة احتجاجات ضد مليشيا الحوثي بدعوة من الرئيس صالح تكفلت بها مجاميع شعبية وبدعم من المؤتمر الشعبي العام، سرعان ما ذابت ليتم تصفية صالح في ال4 من ديسمبر 2017.
بدأ العد التنازلي في الاستحواذ المطلق بعد إزاحة الرجل الأول في اليمن، سبقه اغتيال بعض القيادات المؤتمرية والمقربة من الزعيم صالح كان أبرزهم الشاب (خالد الرضي) في قلب العاصمة صنعاء.
رفض الرئيس صالح الذي أدرك تماما انه مستهدف بشكل شخصي في 24 أغسطس 2017 حين احتفل في ميدان السبعين، رفض كافة العروض في الخروج من البلاد أو الإقامة الجبرية داخل منزله وغيرها من الحيل التي جاءت عبر وسطاء محليين، اختار الرجل المواجهة وإلى جانبه الأمين (عارف الزوكا) الذي شكل موقفه التاريخي حادثة نادرة جمعت بين الوفاء والشجاعة واختيار قدره النهائي.
كشفت الانتفاضة لاحقا عن مدى خطورة الحوثيين على كافة الأصعدة والمستويات، أهمها الوفاق المجتمعي الذي كان تخلق خلال أربعة عقود؛ حيث تم القضاء على الخرافة والفقر والبطالة والجهل والأوبئة التي عاشتها البلاد في ظل حكم الإمامة، وشكلت ثورة 26 سبتمبر منعطفا بالغ الأهمية ضد الدجل والخرافة قبل أن تعود المليشيا من بوابة جديدة لتمارس نفس الممارسات اليوم.
اتفاقية ستوكهولم 2018 الفخ الكبير وما تلاها من برود
تمت اتفاقية ستوكهولم 2018، بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا برئاسة (عبد ربه منصور هادي) ومليشيات أنصار الله (الحوثيين)، برعاية الأمم المتحدة في يوم 13 ديسمبر عام 2018. وتتكون من ثلاثة محاور رئيسية:
اتفاق حول مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى وآلية تنفيذية حول تفعيل اتفاقية تبادل المحتجزين وإعلان تفاهمات حول مدينة تعز.
بالمناسبة لم ينفذ من تلك النقاط شيء، باستثناء إطلاق سراح مجموعة قليلة جدا من الاسرى وهذا ما أفقد الثقة لدى المواطن اليمني، إذ بات يرى المجتمع الدولي والإقليمي بكل ثقله السياسي والحقوقي فاقد القرار أو متواطئ مع تحركات الحوثيين المخالفة للقوانين الدولية والاستحقاقات الشعبية.
جاءت جهود الوسطاء جميعا بما فيهم الأمم المتحدة بطيئة وغير جازمة لم تلبي مطالب المشهد السياسي وتطلعات الأفراد؛ كان في ظاهرها مسار سياسي يحاول التوفيق بين جميع الأفراد إلى جانب المجتمع الدولي، لكنها في الوقت نفسه تتيح للجلاد فرص الاستمرار في خلق ضحايا من وقت لآخر دون مساءلة أو إلزام بإيقاف كثير من الممارسات الغير أخلاقية.
ظهرت الأمم المتحدة كصوت مهادن من خلال المبعوثين الأمميين وارتباطها بمجلس الأمن الدولي واجندة دولية أخرى، لم تُلزم الأطراف المتصارعة بإيقاف الحرب بشكل نهائي والدخول في عملية سلام مشروطة وترميم وإصلاح ما تم فقدانه.
ثم أتت مرحلة تغيير المبعوث البريطاني بسويدي وعمل “مشاورات الرياض” وقبلها استهداف مطار عدن الدولي بصواريخ حوثية، أثناء وصول طائرة الحكومة الشرعية، ثم عزل الرئيس السابق (عبد ربه منصور هادي) وتعيين (رشاد العليمي) على رأس المجلس الرئاسي الجديد المكون من 8 أعضاء بصفة عضو المجلس الرئاسي نائب الرئيس.