منبر حر لكل اليمنيين

اعتقال الكميم

27

اعتقلوه من شقته بقوة ملثمة، حاصروه بالنار والتهم الجاهزة، ثم أخذوه بوساطات من بين أبناءه وأسرته، الشيخ والتربوي والأستاذ والوكيل  أبو زيد الكميم رئيس نادي المعلمين اليمنيين بصنعاء، حين شاهد الحملة الأمـ ـنية تحاصر منزله واجهها وهو يصرخ ويقول: والله العظيم ما أسلم نفسي، أيش عملت ليحاصروا بيتي بطريقة التخويف والاستعراض؟! لساعات وهو يصرخ في وجه الوسطاء، حتى أقنعوه بالرضوخ للحمــلة الأمـنية، ومنذ ذلك الحين وهو مخفي ومسـ ـجون ومتهم بالخـيانة الوطنية، لم يكن يعلم أبو زيد الكميم بأن المطالبة برواتب المعلمين خيـانة وطنية، لم يعلم ذلك أبدًا، ولم يكن يعلم قبلها بأنه سيصير شخصًا مطلوبًا ومعتـ ـقلًا وخائـنًا، خصوصًا بعد سنوات قضاها في تحشـ ـ ـيد همم اليمنيين لمواجهة الحصار والحـ ـ ـرب والاستهداف، كان صوتًا يمنيًا يرفض ما يجري لوطنه وشعبه وبلاده منذ ثمان سنوات، كان يتحدث بشجاعة وغيرة ورجولة، ليصبح بعد كل شيء خائنًا ومحاصرًا ومأخوذًا بقوة الملثمين.

لم يراعوا مواقفه المعروفة منذ سنوات وسنوات، ولم يراعوا عمره الكبير، ولم يراعوا مكانته في المجتمع، ولم يراعوا تواجد عياله وأسرته، ولم يراعوا حياته التي قضاها في المدارس والمناطق التعليمية، ولم يراعوا تاريخه منذ عقود وسنوات، وهاجموه بتهمة الخيانة الوطنية، أخذوه من بيته بلا مقدمات، لأنه يطالب بالحقوق الشعبية، لأنه يطالب بحقوق المعلمين، ليصبح بعدها مريضًا ومسجونًا وخاـنًا وبلا حقوق.

لطالما قلنا يا أصدقاء، بأن الاعتـ ـ ـقال الحقوقي ليس شكلًا سيـ ـ ـاسيًا بقدر ما هو شكل متقدم من انعدام العقل وسقوطه في وحل الهمجية والغباء، هو في النهاية طريقة متخلفة ومستفزة تنتج صنوفًا مختلفة من الأنظمة الشمولية والمتسلطة، وبها تتنازع مختلف النعرات والانتماءات الضيقة. إنه الزمن المشغول بإنتاج الفساد والخراب والهزائم المتكررة في التفاؤل الشعبي العام، زمن لعـ ـين يتمسك فيه الحيّ برأس الميت ولا ينجو منهما أحد.. نحن بحاجة لمساحات إضافية في توقعاتنا وتصوراتنا اليومية، مساحات تتسع لكل هذا الكم المرعب من العنف والخوف والتضييق، لكن الأمر المحيّر هو في خصوصية التفاعل والاستجابة الحاصلة بالمقابل، حيرة مرتبطة بالصدمة من تفاعلات الجمهور المتفاعل والخصوم مع حالة التضييق الحاصلة للمختلفين عنهم في التوجهات والمطالبات، تفاعلات تصبح في النهاية نوعًا ما من لذة الاستمتاع بمعاناة الأخرين، هذه الخصوصية تتجسّد في انتهاك الأخرين والحقد عليهم بلا أسباب مادية، وتكشف عن نقص أخلاقي يتكيف ببساطة ورضا تام مع عمليات التحقير والإهانة والإذلال.. هذا الانحطاط السيـاسي في المحصلة لا يعد شكلًا سيـاسيًّا متبعًا بقدر ما هو جزءً تخويفيًا تديره أنظمة شمولية تسلطية لا تثق بقدرتها على الاستجابة للمطالبات الشعبية النزيهة.

*من صفحة الكاتب في فيس بوك.

تعليقات