البطل فوق الحساب
الحقيقة أن المقاومة انتصرت وتنتصر كل يوم. هناك نصر تاريخيّ يتجاوز منطق الربح والخسارة، نصرُ لا يمكن للعقول التجارية أن تراه.
من لا يؤمن بمبدأ المقاومة؛ لا يمكنه أن يرى انتصارها. هذا بالفعل نصر لا يكترث للثمن ولا يتحدد بالنتيجة المادية وحدها. قبول الكلفة ليس استهتار بالأرواح؛ بل إيمان بجدارة القضية مهما بلغت التضحيات. هذا نصر متعلق بالقيمة والمعنى، بإعادة ترتيب عناصر الحقيقة وإبراز السردية الأصلية للقضية في مسرح العالم. وقد تحقق الهدف.
من لا يعترف بمفاهيم البطولة والشرف؛ عاجز عن وعي جوهر النصر الذي أحرزته المقاومة. من يتباكى على الأرواح الذاهبة؛ هو لا يدرك الثمن المطلوب؛ لتستعيد الأرواح الباقية قدسيتها. ولن يدرك التحول الجاري في الصورة المعنوية للشعب الفلسطيني. لا أفهم كيف يمكن البكاء على من رحلوا والسخرية ممن دفع الثمن في الوقت ذاته..؟ كيف يتظاهر من يكفر بالتضحيات أنه حزين على من ضحوا بأرواحهم..؟
هناك حكاية انتصرت، ونصرها يتجاوز منطق السوق والأذهان الحسابية. بحساب اللحظة تبدو الكلفة عالية؛ غير أن ملاحم التحرير. والحكاية الفلسطينية بكل ما هي عليه من مركزية خطيرة؛ ليس من المنطق إخضاعها لمعيار لحظي وتقييمها بأعداد القتلى أو البنايات المهدّمة.
هناك نصر واسع، قريب ومتوسط وبعيد. يعجز العقل التحليلي أن يحيط به. وحدهم أبطال الرواية الحقيقة يتحركون مدفوعون بوعد حقيقي يرونه في الآفاق وبصيرة لا تهزمها الكلفة ولا تخضع نضالها لشروطها. حيث الدم أرخص من الغاية والموت أقل أهمية من صعود الحقيقة. البطل فوق الحساب، ومن يعلن استعداده لتقديم روحه، هو لا يمزح ولا يفكر بأبواب متجره في الغد وبماذا سيعود.
في حديثه عن جوهر البطولة، يقول الفيلسوف الأمريكي الشهير، إميل إمرسون، فيما معناه : ” تعمل البطولة بالضد من فكرة الإنسانية وربما بما يناقض الخير المؤقت لعلّ هذا ما يُغضب الحكماء؛ لكن البطولة لا تتحرك وفقًا لوصايا الحكيم ولا تراعي مخاوف العقلانية، ذلك أن حكمتها لا تتجلى لأي شخص بمثل ما يراها البطل نفسه.
لربما يستاء الحكماء من مغامرات الأبطال ويرون نتائج أفعالهم كارثية؛ غير أن الأبطال حملة وعد أخر، وفي طريقهم لتحقيق وعدهم، يحدث أن يُظهرون ازدراء لجانب معين من الخير الظاهر؛ لكنهم في النهاية يؤكدون صدق ما وعدوا به. وبعد مرور الزمن يضطّر الحكماء المستاؤون للتسليم بصوابية البطل.
24/11/2023, 12:57:29
* من صفحته في فيس بوك.