30 نوفمبر رمز خالد لنضال شعب ضد الاستعمار
إن رحيل المستعمر عن الأراضي العربية يعد واحدًا من أهم التجارب التحررية التي خاضتها أمتنا العربية على مدى عقود من الزمن، وشكلت الحالة اليمنية في جنوب الوطن واحدة من أهم هذه التجارب في النضال للانعتاق من دياجير الاستعمار.
جاء نيل الاستقلال بمثابة استحقاق طبيعي في سياق كفاح الشعوب ضد الإمبريالية؛ بشقيها الصارم والناعم والرأسمالية بشقيها المادي والثقافي، وفي هذا السياق مثلت ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، وتضحيات الثوار من الرعيل الأول؛ شرارة مسيرة التحرر من الاستعمار البريطاني، الذي جثم على صدر الوطن في الجنوب لأكثر من ١٢٩ عاما حتى رحيل آخر جندي بريطاني من جنوب الوطن في نوفمبر من العام1967م.
كان قدر هذه الشعوب أن تتعرض لما تعرضت له وان تدفع ثمن ذلك التضحيات الجسام من دماء ابناءها الاحرار، لكنها أبدًا لم تستسلم ولم تهادن على حريتها واستقلالها.وهذا ديدن الأمم التي تعتز بهويتها ولا تفرط بكرامتها سواء كان ذلك في اليمن أو في فلسطين أو الجزائر أو مصر أو غيرها من البلدان التي عانت من ظلم و مرارة المستعمر البغيض.
و بعيدا عن الأصوات النشاز ودعوات التشطير وتقسيم ما لا تحتمله الجغرافيا والهوية الواحدة.
اليوم تمثل الأحداث الراهنة التي حلت بكثير من البلدان من بغداد إلى بيروت إلى دمشق وصنعاء تحولا ومنعطفا خطيرا لا يصب في خدمة القضية الفلسطينية، كما ان هذه الارهاصات باتت نموذج لما كانت عليه البلدان قبل عقود وإن بصورة مختلفة تدفعنا إلى الاستمرار في النضال ومحاربة كل أشكال الظلم والتبعية القائمة على الغلبة والتجبر وسلب حقوق المواطنة الواحدة.
لقد مثل (نوفمبر) تجربة رائدة ضد أعتى قوة استعمارية آنذاك، فمن خلالها تم استعادة الروح العربية وتحقق الاستقلال الذي أعاد للحياة رونقها في جنوب اليمن وشماله، وهنا يجب ألا ننسى تلك المكاسب الخالدة ونحاول تقمص أدوار سلبية من خلال الخوض في مشاريع الانقسام، حتى لا تهتز الصورة الثورية التي كان عليها واقع الشباب والحركات الطلابية، ونضال المرأة؛ الذي شكل واحدة من أهم الحلقات التي كانت دافعا للانتصار على المستعمر.
وهذا يدعونا إلى مواصلة العمل الفكري على كل الأصعدة، من خلال الأطر المدنية وبمزيد من الوعي بأهمية منجز الاستقلال؛ انطلاقا من وحدة الجغرافيا والرؤى التي تخلق جيلا واعيا بما يحاك من مؤامرات وما يعتمل من دسائس، وما يتم الإعداد له من مشاريع مثبطة ومحبطة لا تنسجم مع واقعنا وأحلامنا كيمنيين.
في هذا السياق الثوري ضد الاستعمار وفي حضرة نوفمبر لا يمكن بأي حال إغفال الدور المصري المحوري الذي شكل رافعة مهمة بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وتضحيات آلاف الجنود والضباط والصف من الجيش المصري في شمال الوطن وجنوبه.
ليبقى هذا البلد ركيزة أساسية في العمل الجمعي العربي سواء في المحددات الثقافية أو الثورية أو السياسية، ورابط أساسي في توجيه البوصلة فيما يخص القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي يحاول جاهدا وضعها في الواجهة كقضية مصيرية من خلال العمل الديبلوماسي الدؤوب وتوحيد الجهود من أجل أن يستعيد الفلسطينيين حقهم في الأرض والأماكن المقدسة.
يأتي الحديث هنا عن ثنائية نوفمبر وما يجري على أرض فلسطين، للتذكير بأن الشعوب الحية لا يمكن محو وجودها مهما كانت قوة المستعمر، لان إرادة صاحب الأرض أقوى من مشاريع القوى الكبرى واطماعها وكما يقول المثل العسكري ان الارض تقاتل مع اهلها، وقد مثلت أحداث غزة خلال ما يقارب خمسين يوما؛ شاهدًا على قوة وصلابة ارادة الإنسان الفلسطيني وهو يواجه أعتى الجيوش، بعد أن ضحى بما يقارب ال15 الف شهيد وعشرات الأحياء السكنية التي تم تدميرها بالكامل وعشرات الالاف من الجرحى والمصابين.
لقد قدم رجال غزة أروع البطولات والتضحيات والفداء من أجل نيل الاستقلال من الاحتلال، دون أن يلتفتوا لمشقة الطريق وان كانت التضحيات جسيمة الا ان إرادة الشعوب لا تقهر، وسوف تنتصر على أي قوة غاشمه مهما ملكت ومهما مارست من البطش والعدوان والاجرام، وسيبقى نوفمبر قيمة عظيمة بما حمل من أحداث وتضحيات سواء في اليمن أو فلسطين.