المئذنة
الى الشاعر المبدع الصديق دخيل الخليفة/
لا شيء يشبه موجَ هذا البحر, غيرَ ضفافه الجذلى
وغيرَ بريق قبلتِكَ, الوحيدةِ, إذْ تُمايلُ خطوَها..
أنى مَشيتْ
فاطبعْ بفمّ البحرِ أوّل بسمةٍ, وارجعْ إلى حيثُ ابتديتْ
لكأن صوتَ البحر ترنيمُ الحنينِ, إذا انتشى صلّى
ورتّلَ في غموض بهائه
ما تمتم النسرينُ في شفتي, وقال الياسمينْ:
هذا زفيرُ تنهّد الدفلى
ورجعُ الناي – من أقصاه – مُبتلاً
برائحةِ الحنين.
أوشكتُ أن أبلى
فهيئ يا فمي السكران أجنحةَ النوارسِ, كي أبثّ بنرجسي الفُلاّ
أرى شجناً يسرّحُ في المدى غُصُناً
ويرسم في الصدى ظلا
كأن الشوقَ يكبرني بعامين
فأستبقُ الزمانَ الكهلَ. مُسرجةٌ شجوني في وساوسها
فما ارتجل الحنينُ قصيدةً, ألا سمعتُ بها هوىً يُتلى
أنا الشجنُ المعبأُ في جرار الخطوِ, والفرحُ المخبأُ في رنين القبلة الأولى
أتيتْ!
* * *
أمشي بلؤلؤةٍ, وآتي كي أصافحَ مَن رأيتْ.
وأقول إذ رجعَ الفؤادُ من الهوى طفلا:
وأشير بالكفين نحو القلب, قلتُ: قصيدتي زهوٌ
وملء فمي أنا شجوٌ, فمن أين الصعودُ إلى جنان الله, يا نجوى الحزين؟
كان المدى نخلا
وكان السعفُ طينْ
والأرضُ تبحر في نشيد دعائها
وتجيء تحيي في مواسم عرسها حفلا
وتحتضن اليقين.
* * *
هتفتْ باسمي سوسنه!
بيني وبين البحر مئذنةٌ, وتهليلٌ..
أرى ما لا يرى الطاووسُ لحظة زهوه:
وطناً يشعّ كنجمة الياقوتِ. مرآةً بشكل الوجه, حلماً مسرجاً بالحلم
قنديلاً بعمر البحر, قافية ترتّل في خشوع قصيدتي المعنى
وتنصب في شموخ الزهو تمثالاً لمن أسْرُوا بليل الموجِ
هل لي أن أشق القلبَ نصفين
وأعلي في هلال الرأس تاجَ المئذنة؟
من ها هنا. وأشرتُ نحوك (يا شويخ)
كان انبجاسُ البحر, والطيرُ المحلّق في فضاء (الغوص)
والدرُ المغرّدُ في شفاه العاشقين.
* * *
متأبطٌ قمراً, وأحمل في دمي قمراً, وبينهما أنا أعلو بمئذنةٍ
وآتي كي أصافحَ مَن رأيتْ
وأعيد لأم شظى فمي المحفورِ في صدف الوساوس.. والغناءْ
وأعود مختصراً
إلى حيثُ ابتديتْ.