منبر حر لكل اليمنيين

حدوتة في مديح الحماقة لن تحط العصافير، لأن لا أحد سيبذر القمح

33

في قرية صغيرة، عاش عجوز أحمق. ومع أن له عائلة كبيرة، إلا أنه غرس في قلوبهم الكره، فتكاثر كسنابل الموسم المطير.
طفلاً كان على ما في وجهه من تجاعيد، وعلى ما في طلته من نفور. أثبت في فلسفة عناده، أنه يمكن للمرء أن يكون كريهاً مع مكانته الطبيعية كرب عائلة.. ليس بالضرورة أن يكون لديك أبناء، أو أحفاد، وتكون مسؤولاً.
بالإمكان أن تحتفظ بكونك الصبي المشاغب، حتى تتوكأ على عصا، أو تدلف حبواً عتبة التسعين. ذات صباح، وهو يلاحق حفيدته ليسرق قطعة ويفر من جيب صدريتها، تزحلق فأنكسرت ساقه.
وذات صباح صنع لنفسه موتاً من أروع ما يكون. لم يقل لهم أنه متوعكاً، لم يُرد أن يستشير أحداً في النهاية التي يريدها لنفسه، لم يرد للشفقة أن تأتي على ما أرتضاه من الصلف.
وضع رأسه على الوسادة، ونام نوماً عميقاً، وأبدياً.
لم يكن ليسمح لنفسه بابتسامة مخاتلة وهو في نعشه، مات وفي تقاسيمه عرعرة ملحة وعجولة.. كثيرون هم الذين أرادوا أن يلقوا عليه النظرة الأخيرة. أقسموا أن الجثة قالت لهم شيئا، بصقت في وجوههم، ولعنتهم لعنة وداع أخيرة. مع ذلك بكى ثلاثة من أقاربه، كي يظهروه للمرة الأخيرة، أحمقاً؛ عداهم.
كانت شمس اليوم التالي لموته، مشرقة، وسماؤها صافية، لأن الحمقى لا يقبلون ابتزاز طقس العالم لهم بعد رحيلهم، لأنهم في النهاية يظلون حمقى ميتون.
الشيء الوحيد الذي لا يستطيع أن يجردهم أحد منه، كونهم كرماء.. لأنهم وقد استحقوا البغض والضغينة، اشتروا أن لا يدمع فوق نعوشهم المزيفون، ذهبوا ويقينهم في ملامحهم، بأن لا أحد سيغرق في الحزن، لن يخلفوا ورائهم مكتئبون ولا أحزان طويلة. لن يأتي الأعزاء ليزرعوا ورداً بجانب شاهدة قبروهم، ولن تحط العصافير، لأن لا أحد سيبذر القمح.

تعليقات