منبر حر لكل اليمنيين

أحتاج حياة أخرى مبسَّطة

37

الحياة التي أعيشها لم أستطع فهمها،
أحتاج حياة أخرى مبسَّطة
لا أرهق نفسي بالتفكير في حل ألغازها..
هذه الحياة مترجمة بلغة لا أفهمها
ولا أجيد لغة الإشارة.

لا أفهم الجهات التي يقال عنها: جنوب شرق
أو شمال غرب..
أنا بالكاد فهمت اليمين والشمال
لكثرة ما يسألني سائقو التاكسي حين ندخل الحارة..
بالكاد حفظت سورة ياسين لكثرة الشهداء والقتلى
أما ضحايا الكورونا فلم ينالوا حتى الفاتحة،
جارنا ألقاه المشيعون في قبره وفروا سريعاً
خشية أن يلحقهم الفيروس.

هذا الجار الطيب صادفته قبل سنوات،
كان يحمل أحجاراً سوداء مقصوصة كالبلاط..
أوصى أولاده أن يسدوا بها لحده ويضعوا عليها الإسمنت..
نسيوا وصيته
وسدوا لحده بالبُلك الذي لا يحبه.

أتخيله يخرج يده من الكفن ليتحسس الأحجار
فتصدمه خشونة البُلك،
حتى الموت لا نستمتع به كما نريد..
سأوصي أولادي ألَّا يسكبوا على كفني عطر “جنة النعيم”،
يكفيني ماء الورد وبعض الريحان
لن أحتمل هذا العطر الثقيل،
وجيوبي الأنفية ليست على ما يرام.

لا أحتاج معرفة المحاسن التي ستُقال عني،
كثير من هذه المحاسن يتم اختراعها أثناء الدفن..
ما يحز في نفسي
أن بعض أصدقائي سيمسحون رقم هاتفي في نفس اليوم
رغم أنهم لا يتصلون بي.

كنت أنوي التحدث عن لغز الحياة
لكن الموت يمسك أصبعي لأسهب في الحديث عنه..
هو يعتني بي منذ أن أخذ أول أسنان الحليب
وترك فمي مفتوحاً للريح..
وأنا أتجنب نطق حرف السين كي لا يتندر عليَّ الأطفال..
لا أدري إن كان هو دفعني في بركة جامع شهارة
أو أنني انزلقت بسبب الطحالب..
خرجت يد مجهولة من الحائط لتلتقطني
وتمسح عن وجهي ملامح الخوف.

يعتني بي جيداً منذ خرجت مع أبي ذات يوم
وعدت لوحدي..
منذ ملأ نخاع أخي الشوكي بالحمى،
ومنذ غرز شوكة سمكة في حلقي
وظل زمناً يختبئ في أنبوبة الغاز
يترصد أمي كلما أشعلت عود ثقاب..
الآن صرت مطمئناً بعد أن عدنا إلى زمان الحطب.

تعليقات