عقوبات مجلس الأمن الدولي وغياب المجلس الرئاسي اليمني
اعتمد مجلس الأمن الدولي في مدينة نيويورك يوم أمس القرار (2707) تجديد نظام العقوبات على اليمن حتى 15 نوفمبر 2024 ، تم تمديد ولاية فريق الخبراء حتى 15 ديسمبر 2024، ضد بلد لا تنقصه العقوبات، في ظل غياب تام لقيادتنا الموقرة.
ما أكتبه الآن جاء بعد أن توقفت كصحفي يتابع مندهشًا ما يدور في أروقة (الأمم المتحدة) و(مجلس الأمن)، من عبث وتوظيف سيء للملفات، ولَيْ أعناق القرارات لتصبح أكثر واقعية أمام الرأي العام.
قبلها بيومين كنت استمعت لنتائج بيان مجلس الأمن حول “الشرق الأوسط” و”اليمن”، تحديدًا فيما يخص العقوبات، سرعان ما تبادرت العديد من الأسئلة ومعها الوجوه المشاركة في السلطة بأثر رجعي، بعد الأحداث الأخيرة التي بدأت في 2015م، بعد ارهاصات وقف عليها الكثير، وشهد تراكماتها الجنونية منذ 2011م كافة أبناء الشعب.
في الجلسة رقم (9468): الحالة “الشرق الأوسط”، ترأسها مندوب ألبانيا بقرار (2140)، أوضح أن هناك “(12) شخصًا وكيانًا (واحدًا) على قائمة الجزاءات؛ ولم تتلقّ اللجنة أي طلب للإدراج في القائمة أو الرفع منها خلال الفترة الماضية ولا أي طلب بالإعفاء”.
هذا الطرح بالتأكيد إدانة واضحة للأطراف المتقاعسة تجاه المطالبة برفع العقوبات وعلى رأسهم المجلس الرئاسي.
عقب الانتهاء من سماع التقرير تساءلت عن الأدوار التي يجب أن تُلعب، وردود الفعل في أقصى درجات البرود تجاه البيان، أو ما سيترتب عليه مستقبلًا بعد ما يقارب ال10 أعوام من العبث والعقوبات الزائفة، وسألت أيضًا هل الأمر يستحق الكتابة، خاصة وأننا بأمسّ الحاجة لبعض الحلول وردم الهوة، ومشاركة الأفكار لبناء مشروع سياسي جديد للخروج من عنق الحرب ودائرة الوصاية وحلقات الصراع.
عمومًا قد يتصور البعض ممن توارثوا العداء وثاروا على السياقات في لحظة تغريبة غير محسوبة، قبل أن يفقدوا خيوطها المتينة، ويصطدموا بمتلازمة المشاريع الكارثية، أن الخوض في هذا السياق أمر هامشي، لا يستحق النفخ في روحه من جديد.
لكن بالمقابل لن يتساءل أي من هؤلاء عن القيادة السياسية، وهي تمارس أعلى درجات الكياسة في اضطهاد ما تبقّ من آدمية الإنسان اليمني؛ صورة تعكس وطن مهزوز وإنسان مهزوم، وجغرافيا غارقة في الجهل والأمراض والأوبئة، وظواهر غريبة على المجتمع؟ وانتشار المخدرات وتكريس المذهبية والطائفية والمناطقية والشللية بصورة مخيفة.
“شر البلية ما يضحك”، لذا لن أكون ساخرًا هنا أكثر من واقعية الأحداث نفسها، وانتهازية الرؤى أمام مشهد يتجسد كأنه الجحيم، الذي توارثته كتب الأساطير، وكرسته كتب المعتقدات الدينية؛ الأحداث التي تنكأ الجراح لحظة بلحظة نتيجة ممارسات السلطة في الشمال وتخاذل من تربعوا العرش مؤخرًا في مناطق الشرعية.
إن ما يجري اليوم من تعبئة، وتحشيد مسكون بهواجس الموت ونتوءات الرجعية؛ مُرهِق. مواجهات على تخوم المدن وخطوط التماس، حرب سياسية واقتصادية، عملةٌ منهارةٌ وبنكٍ منقسم، ملاسنات في الإعلام، ومنابر الجوامع ووسائل التواصل، مزيد من الاحتقان، ولا بوادر في خفض حِدة الصراع، والالتفات للتنمية.
لقد شكل رحيل الرئيس الأسبق الشهيد علي عبد الله صالح فراغًا في العمل السياسي الجمعي، وأصبح المشهد خاليًا من أي بوادر، تعمل على انتشال الواقع من شتات القوى السياسية، والمحيط العربي الذي كان أحد اعمدته الصادقة تجاه القضايا المصيرية، بما فيها القضية الفلسطينية.
كان صالح ونجله السفير أحمد علي يحاولا الابتعاد عن التصعيد في ذروة الاحتجاجات، مدركين أن الواقع لا يحتمل المواجهات المسلحة طالما أن هناك خيار ديمقراطي نشأ عليه الجميع، وهو أحد أهم الحلول الناجعة، حتى حين هاجم التحالف صنعاء ظلت يده ممدودة للسلام، على اعتبار أن الحوار الخيار الذي سيكون حاضرا في نهاية المعركة.
في الحروب الستة، كان صوت الدولة حاضرًا رغم تمدد الرغبات السياسية المؤدلجة، وظل رئيس الجمهورية يمارس مهامه من خلال مؤسستي الأمن والجيش والسلطات التشريعية وعَبْرَ الشخصيات الاجتماعية والدينية المختلفة، بالتزامن مع دعوات السلام والاحتكام للصندوق.
استشهد صالح وهو يواجه مليشيا احترفت الإرهاب ومارسته علنًا، رحل مدافعًا عن وطنه وعرضه. سيرةٌ غير قابلة للطي أو الشكوك، ومنعطفا صنع فارقا شاسعا بين عزيمة لم تغريها العروض وأخرى ظلت تراوح بين البين.
عاشا محافظا على مواطنيه أمام كل الدعوات رافضا تسليم أي فرد، مطالبا بالذين تم اعتقالهم في بلدان أخرى، لم يعبأ بانتماءاتهم الحزبية وتعامل كرئيس جمهورية للجميع.
كانت الصورة جلية منذ اللحظة الأولى فيما يخص العقوبات الظالمة على الشهيد صالح ونجله، الذين استجابوا لتنفيذ بنود (المبادرة الخليجية 21 مايو/2011)، سلم نجله قيادة الحرس الجمهوري، في 10 أبريل 2012، ليتم تعيينه سفيرا للجمهورية اليمنية في دولة الإمارات العربية المتحدة التي لا يزال يعيش فيها حتى اليوم تحت الإقامة الجبرية.
تقزمت مشاريع الوطن، وتعثرت الحوافر، وغابت المفردات التي تحملها الأكتاف كقيمة، ليتم ترجمتها على أرض الواقع، بعيدًا عن أي اتكالية أو تسليم يفقد البلد خصوصيته، ويضع الجميع أمام ميزان الأسئلة المصيرية.
خلال عشر سنوات تقريبا سقط ما يقارب خمسمائة الف بين قتيل وجريح، نتيجة الصراع، في بلدٍ أصبح خارج مصفوفة النجاح يحيط به الفشل مثل دائرة ضيقة تتجاذبه الأطراف الدولية والإقليمية والمنظمات والمبعوثين الامميين.
السؤال هنا.. أين ذهبت وعود مجلس القيادة الرئاسي إذًا، التي انطلقت من العاصمة الرياض فيما يخص رفع العقوبات ماذا قدمت اللجان المنبثقة عن المشاورات: اللجنة السياسية والاقتصادية والإعلامية، وبقية العازفين في “الفرقة الملكية” من رواد فندق (الرتز كارلتون).
من المخجل أن لا نسمع حتى جعجة في هذا المسار، ثم لماذا كل هذا التصلب من قِبل (دول التعاون) التي اختلفت فيما بينها حول كل شيء إلا (المِلف اليمني) اتفقت على تعطيله، بمشاركة امريكا وبريطانيا؛ وسط برود مخجل من سلطات الرشاد المبعثرة وحكومة المَعين الذي لا ينضب.
ألا يستحق صالح ونجله مِساحة ود من وقتكم المزدحم بالمواعيد واجتماعاتكم المليئة بالترتيبات لمستقبل الأجيال الضائعة أيها الرفاق، من باب العيش والملح، أو من باب رد الاعتبار لرجولة سحقتها همجية الحوثيين، على اعتبار أن الرجل شريك معكم في المواطنة والإنسانية والسلطة، مع الفارق.
ما الدور السياسي والدبلوماسي الذي تلعبه الشرعية برئاسة رجل الأمن الأول، البارع في علاج الكي! وكم عدد المذكرات التي رفعت وخاطب بها مجلس الأمن بخصوص العقوبات.
من حقنا أن نتساءل عن دور مجلس مكون من (8) قيادات اختيرت بعناية لتمثل خارطة الوطن شمالًا وجنوبًا، توليفة مباركة وحكومة مثخنة بملفات الفساد والرشاوى والمحسوبية، غارقة في الاتكالية غير منتجة، لم تستطع كسب ثقة المواطن يومًا واحدًا من خلال استقرار الصرف أو توفير الكهرباء ولو لمدة 24 ساعة.
من يتابع دور هؤلاء كلهم يستغرب كيف يعيشون؟ وكيف ينامون؟ ما هي الخطط المستقبلية التي يرسمونها ومتى؟ وهم في سفر دائم، ورحلات لا تنتهي صوب فنادق سبعة نجوم وكأنهم لاعبي كرة قدم أو سواح يبحثون في حقب الأولين.
ما المانع من عدم رفع المذكرات لمجلس الأمن؟ لماذا لا يتم توضيح الأسباب؟ وهل هناك من يقف خلف هذا التأجيل أو يقوم بعرقلته؟ لماذا هذا الجمود؟ من يدير البلاد إذًا ويتخذ القرارات؟ من يقول لا ومن يقول نعم؟ وكيف يمكن الوثوق بأننا سوف ننتصر على غرور المليشيا وعنترياتها الزائفة ونحن بهذا الهوان.
لا توجد أي بوادر يمكن التعويل عليها طالما أن الشخوص لم تتغير، والسياسة لا تزال نفسها منذ أن سُلم الملف اليمني لغير أهله، ولا يستبعد أن نسمع في الأيام القليلة القادمة عن تعيين رئيس جمهورية من خارج الوطن بمواصفات سيارة نقل حديثة.
لا يجب علينا كأفراد أن نسلم لقدرٍ ابتكرته اياد مرتعشة، من أجل أن تستمر أكبر قدر في هرم السلطة؛ بعد أن سكن (اليسار) ومعه (اليمين) لرواتب وعلاوات جزيلة، وعمولات باهظة، تاركين الأفكار الثورية للريح، والشعارات القومية في ثلاجات التبريد، إنهم لا زالوا يعيشون نشوة الانتصار على النظام الذي سقط مضرجًا بدمنا ومعه سقطت المؤسسات.
من المعيب أن يترك البلد بهذه الصورة، دون الخروج من هذا النقق. المضحك المبكي، ما يدور في أروقة الحكومة ومجلسي النواب والشورى وأرباب السياسة والأدب؛ جمود يلف المستقبل مثل فريسة ابتلعتها أفعى الأكوندا وهي تتفرج بعينين غير قادرة على المقاومة.
وأخيرا ألا يستحق المواطنين اليوم بعض الاهتمام والزعيم الراحل ونجله من ضمن هؤلاء المواطنين أن يكونوا ضمن الأوليات في مخاطبة مجلس الأمن الدولي برفع العقوبات؟
إلى هذه الدرجة عجزت الرجولة في هرم السلطات أن تقف لمرة واحد وقفة مسؤولة ومعها الداعمين أمام هذا الملف، وفصله عن الكيانات التي كانت سببا في التدمير، وسقوط الضحايا وزراعة آلاف الألغام، ورفع الأسعار وفرض الاتاوات، ونهب المقدرات وإيقاف رواتب الموظفين، وفتح المزيد من المعتقلات واستحداث عشرات الضغاطات، وإرهاب المرأة وتعطيل دورها في المجتمع، والعبث بفئة النشء والشباب وتجنيدهم، ومحاصرة المدن، والتضييق على القطاع الخاص، ومحاربة المزارع، ونهب أراضي الوقف والمواطنين.
متى تستيقظ الرئاسة، لتعلن عن نفسها كيان يمثل كل فرد من أفراد الجمهورية اليمنية يرفض الفوضى، والممارسات القمعية خارج إطار الدستور والمؤسسات الرسمية، ضد من يجاهر بالعداء للديمقراطية، فارضًا نظام الولاء والبراء على مجتمع متنوع قوامه خمسة وثلاثين مليون نسمة.
سوف نظل نسخر من غيابكم إلى أن تستحضروا طاقاتكم للعمل من أجل الجمهورية والوحدة والتعددية السياسية والديمقراطية وثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، ونضال الثوار الأوائل، وتراجعون حساباتكم السياسية مثلما تفعلون مع الارصدة وحركة البورصة والاسهم في الأسواق المالية.