لماذا أصبح اليمنيون لا يعرفون إلا معنى الذل والمهانة ؟
يتعرض اليمنيون وبشكل ممنهج للإهانة التي أصبحت شكلا من أشكال الحكومة التي تعتدي على كرامتهم إلى درجة أنهم لم يعودوا يعرفون معنى الإهانة ، وأكثر من تعايش مع الإهانة النخب السياسية والثقافية والإعلاميين والقضاة الذين مع مرور الوقت استساغوا هدر كرامتهم .
منذ تسع سنوات ونحن نعيش الجوع والفقر وفقدان الأمن والشتات وحينما نتحدث عن ذكرياتنا خلال هذه المرحلة ، فإننا نتحدث عنها بخجل ، فليس لنا ذكريات بطولية ضد الذين اغتصبوا قرارنا وقرروا نيابة عنا ، قصصنا ممزوجة بالذل والإهانة ، وبدلا من الاهتمام بالحرية ومواجهة الفاسدين ، أصبح كل همنا هو كيف نأكل وكيف نشرب .
مات الكثيرون منا خلال السنوات الماضية ، لكنهم لم يموتوا متمردين ولا هلكوا محاربين ولا دمرهم زلزال ، بل ماتوا مستسلمين جبناء ، فاضت بهم المقابر داخل الوطن وخارجه ، ماتوا جوعا وأرض بلادهم تطفح بالخيرات التي ينهبها الأعداء الذين التهموا ما في البر والبحر .
أصبحنا نعاني من فقدان جماعي للذاكرة ومازلنا منقسمين ، البعض منا يلتف حول الذين سرقوا الدولة ومؤسساتها والبعض الآخر يلتف حول الذين قالوا سيستعيدون الدولة ، رأينا الذين سرقوا الدولة يعانقون الذين سيستردونها ، لكننا لم نتذكر المأساة التي صنعها الطرفان ، ولأننا لا نتذكر الماضي ، لذلك حكم علينا أن نكرره كل يوم .
اختلفنا على الجمهورية وعلى الوحدة وعلى سبتمبر وأكتوبر وعلى مؤتمر الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وعلى من يكون مع إيران ومن يكون مع السعودية والإمارات ، اختلفنا على كل شيء ، حتى على السيادة الوطنية ، الأمر الوحيد الذي اتفقنا عليه ، هو تقبلنا للمهانة والذلة ، ركعنا حتى انحنت ظهورنا ولم نعد قادرين على رفعها .
حكومة تسرق كل شيء ، أنفقت المليارات على الفساد ، لم تصلح شيئا ، الأزمات تتفاقم كل يوم ، استبيحت الأرض والثروات ، تأمرت على السيادة والكرامة ، أضحت تشكل خطرا على الحاضر والمستقبل ، تمادت في العبث ، تورطت في فضائح فساد ونحن وكأن الأمر لا يعنينا ، مات الإحساس فينا ولا نستشعر هذا الإحساس إلا في العداء لبعضنا البعض كمواطنين .
حكومة تجاوزت كل الخطوط الحمراء والملونة والخراب بلغ ذروته وتقارير مجلس النواب والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وتقيم منظمة الشفافية الدولية أن الحكومة اليمنية هي الأكثر فسادا في العالم ، ومع ذلك فلا وزارة عدل ولا نائب عام ولا مجلس نواب أوقفوا هذا العبث ، لأن هؤلاء جميعا مهمتهم في الحياة أن يأكلوا ويشربوا وكأن المواقع التي وضعوا فيها هي فقط لجمع المال .
كل يوم تكتشف النخب اليمنية وخاصة قادة الأحزاب والإعلاميين والقضاة والبرلمانيين تمادي الحكومة في إهانتهم وإهانة الشعب اليمني وتخليها عن دورها التنفيذي في تقديم الخدمات والبناء والإعمار وكشفت عن وجهها القبيح ومع ذلك تبقى هذه النخب أسيرة لمأكلها ومشربها ولا يهمها بعد ذلك ما يحل بالوطن ، ستدفع النخب السياسية والثقافية ضريبة مضاعفة ثمنا لسكوتها وارتضائها بالذل والمهانة .