منبر حر لكل اليمنيين

الدماء والتهجير ليسا حلاً في غزة

41

خلال لقاء جرى قبل يومين مع موظفيه السابقين في البيت الأبيض علق الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما على الحرب التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين انتقاماً للعملية التي قامت بها منظمة “حماس” داخل إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وحث الأميركيين على فهم الحقيقة الكاملة عن حرب إسرائيل في غزة.

وأضاف إن الجميع متواطئ لدرجة ما في نزيف الدم الحالي، وإن (ما فعلته حماس مروع ولا مبرر له.. ولكن الحقيقة أيضاً أن الاحتلال وما يحدث للفلسطينيين لا يمكن تحمله).

في الوقت ذاته يختلف كثير من المعلقين العرب حول ما يمكن أن تحققه العملية الجريئة التي قامت بها “حماس” وأسقطت فيها رواية إسرائيل عن قدرتها على حماية مواطنيها من أي هجوم تتعرض له، ومع إدراك أن الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون ليس في غزة فقط، بل في كل الأراضي الفلسطينية سيكون باهظاً.

وهنا يكفي تذكير هؤلاء أن عدد القتلى في الضفة الغربية التي لم تخرج منها طلقة واحدة، قتل داخلها أكثر من 150 فلسطينياً، كما تستمر دون توقف حملات الترهيب ضد عرب 48 الذين يعيشون داخل إسرائيل، بل كيف يجوز أخلاقياً وتحت أي سقف القول إن ما يحدث في غزة من أهوال ورعب أمر طبيعي تتحمل “حماس” مسؤوليته وهكذا تصبح أفعال إسرائيل مجرد رد فعل يجب تفهمه!

يحاول كثيرون إظهار تدمير غزة أو على وجه الدقة إنهاء معالمها العمرانية والجغرافية والديموغرافية إلى الأبد بأنه نتيجة حتمية لما قامت به “حماس”، وأنها لم تضع في حساباتها رد الفعل الإسرائيلي المخيف، ولكن هذا التبرير يصب لمصلحة تبرئة إسرائيل من وحشيتها وفيه تغييب للشعور الإنساني بما يعانيه سكان غزة علـى وجه الخصوص من حصار وتجويع وإذلال لم ينقذهم الخضوع له من غرور القوة التي كانت تل أبيب تتباهى بها وبيدها الطويلة التي ظلت لعقود تردد أنها تصل إلى كل مكان.

ليس مفهوماً كيف يمكن أن يقتنع عاقل أو أن يدفع بنظرية أن إسرائيل دولة تريد السلام والعيش كدولة طبيعية مع جيرانها من دون حروب، بينما هي ترفض بالمطلق كل قرارات ومناشدات الأمم المتحدة دون استثناء وتضرب بها عرض الحائط ولا تبدي اكتراثاً بالمجتمع الدولي لأنها تعلم أن الحكومات الغربية ستقدم لها الحماية كاملة للتهرب من مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، وستعمل على منحها كل المساعدات التي تزيد من تحديث تسليحها ودعم اقتصادها.

وحين عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن شعوره بالرعب والفزع إزاء ما تفعله إسرائيل في غزة، فهو كان يصف مشاعر أغلب سكان الأرض الذين تبقى لديهم شيء من ضمير وحياء إزاء الدمار والدماء.

واليوم مع مرور أكثر من أربعة أسابيع على هذه الحرب غير المتكافئة أخلاقيا وقوةً وأمام خطاب سياسي غربي يصر على المساواة بين الضحية والجلاد، بلغ الأمر حد التحريض والتهديد لكل صوت يندد بما يجري في غزة وما يتعرض له الأطفال والنساء والمدنيون عموماً جراء تواصل الضغط العسكري لتهجيرهم إلى المجهول وإفراغ كل المناطق المحيطة بالمستوطنات غير القانونية.

يحاجج البعض أن “حماس” منحت إسرائيل الفرصة لتنفيذ فكرة كانت تخطط لتنفيذها من عقود وهي إقامة “الوطن البديل” للفلسطينيين، وهذا منطق غير جدير بالتعامل معه، لأن الحاصل حالياً هو عملية إبادة وتجريف لكامل القضية الفلسطينية تحت أنظار الجميع.

وتلك عملية لا يمكن إنجازها إلا إذا وافقت الدول العربية عليها، وهو ما لا تبدو قادرة على تحمل تبعاته الأخلاقية والقومية وجاءت مواقف الحكومات العربية حازمة حتى الآن في كل تصريحات مسؤوليها ولقاءاتهم بأنه غير قابل للنقاش ولا البحث في تفاصيله.

لقد تجاوز ما فعلته، وما زالت، إسرائيل خلال الأسابيع الماضية كل حدود فكرة الانتقام من الهزيمة العسكرية الأكبر التي تعرضت لها منذ نشأتها، ولم يبق إلا استخدام القنبلة النووية.

ولم يكن التصريح الذي أدلى به الوزير اليميني المتطرف عميحاي الياهو المسؤول عن حقيبة التراث في حكومة نتنياهو عن إمكان استخدامها إلا تعبيراً فاضحاً عن حجم القلق والخوف الذي تعيش فيه منذ السابع من أكتوبر الماضي.

تجاوز حجم ما استخدمته إسرائيل في المعركة حتى الآن ما يفوق قنبلة نووية لأنها تصر على محو غزة بأكملها ويحدث كل ذلك تحت مسمى (الدفاع عن النفس) الذي أجازه الغرب للإسرائيليين، وتحريم حتى الحديث عنه ورفع شعاراته عن الذين اغتصبت إسرائيل أرضهم

وجاءت الفضيحة الكبرى في المواقف التي اتخذتها الحكومات في الغرب ومعظم السياسيين فيها الذين سارعوا إلى التنديد بما فعلته “حماس”، ولم يكن ذلك بدافع الضمير الإنساني، بل لأن المهمة الحقيقية التي تقوم بها إسرائيل في المنطقة تتجاوز منح الذين طردتهم أوروبا من أراضيها في الأربعينيات إلى أرض لا تمتلكها.

إن الحديث عن إمكانية العلاقات وتناميها بين إسرائيل والعالم العربي صار أمراً مستهجناً، بل وساذجاً.

وليس ذلك لأن “حماس” لا تريده أو أنها تعمدت تعطيله، بل لأنه لم يعد واقعياً ولا أخلاقياً ولا مقبولاً، فالجميع يدرك أن الخطوات التي جرت خلال السنوات الأخيرة لم تكن كافية ولا قادرة على المضي قدماً في هذا المسار.

تظهر الحرب الجارية أن السلام الذي تخطط له إسرائيل ليس أكثر من حاجة في فتح أسواق جديدة لمنتجاتها من خلالها توسع نفوذها في الشارع العربي ثم السيطرة عليه، وهو أمر لم تحققه في مصر والأردن على رغم مرور عقود على توقيع اتفاقات سلام معهما، وهي تدرك تماماً أن بوابة السلام الحقيقي لن تمر إلا عبر قيام دولة فلسطينية حقيقية قابلة للحياة والنمو.

كيف يمكن أن يتقبل الضمير الإنساني فهم أن إسرائيل دولة لم يتمكن العالم كله من توقيع عقوبة واحدة عليها إزاء ما ترتكبه من قتل وتدمير وتهجير، وكيف يمكن للعالم أن يظل أسيراً للرواية الإسرائيلية وغير قادر على مغادرتها؟

والإجابة المنطقية هي ما قلته سابقاً إنها دولة تقوم بمهمة محددة ليس للعرب شعوبا وحكومات مصلحة في المشاركة فيها. إنها مهمة السيطرة المطلقة على كل مقدرات المنطقة والتحكم في مستقبل شعوبها وحكامها.

*نقلا عن موقع “إندبندنت عربية”.

تعليقات