وتَلُوحُ لي مدنٌ تنامُ
وتَلُوحُ لي
مدنٌ تنامُ
كأنها تَهبُ المواتَ جفونها
وتُعِدُّ برزخها
وتركضُ في نعاسٍ مستديرْ.
وأرى قرىً غضبى
تُداهنُ ليلها الجاثي
وتُتخِمُ بأسَها
بِدَمِ الذينَ تقاسمتْ يوماً
ضِباعُ التلِ نَخبَهمُو
فأسدَلتِ الظباءُ شُجونَها
وتوسدَ الأفقَ العزاءُ
كأنهُ يومُ القيامةِ
قُلْ لنا يا ملحُ : من يرث الدموعَ الآنَ
لا مدنٌ ولا أسماءُ؟
تعرفنا ونعرفها
وأينَ ستخلع النجماتُ فِتنتَها
وتلبسُ عُريها المرتابَ
من يحدو الرؤى العطشى لِبُغيَتِها
ومن يرثُ الفناءَ الرحبَ
بعدَ تغرُّبِ الأنواءِ
من؟
وألوحُ لي وحدي
أطرزُ بالسعالِ مسائيَ النائي
وأسندُ وحشتي الحدباءَ بالمَغنى
ويُؤنسني الصدى “يا ليلْ دانهْ دانْ”
حيثُ تَلُوحُ لي الذكرى وتصرخُ
أيها المرتدُ
ما هذا الهروبُ الرخو
ما هذا ….
ومن سيحرضُ الطينَ المرابطَ في لزُوجتهِ
ليشمخَ في طريقِ الشمسِ
رُغمَ سقوطهِ بالأمسِ
لا أدري
أينسى ثأرهُ وينامْ !
” دُوَارٌ كاملُ التكوينِ ”
ينفخُ في المدى صحواً
ويشحذُ همّةَ الموتى
فتزدحمُ الذرى بالقمحِ والرمانِ
يفتحُ بابهُ الطوفانُ
ترفلُ بالحياةِ قرىً
وتفقِسُ بيضةُ النسيانِ
خلفَ تيقّظِ الآبادِ
تندلعُ النجومُ سَناً
يُعِيرَ الفجرَ أجنحةً
ليشرقَ في سماءِ المتعبينَ اللهُ
وهي كثيفةُ المعنى
تلمُّ شتاتَ فتيتها
وتُقرِئهُمْ كتابَ المستحيلِ قفوا فهذي الريحُ ملكُ يمينكُمْ
ولكمْ… ذُرى الآتي اصعدوا
هذا البياضُ لكمْ
وللظلماتِ والسوطِ الجحيم.
وتلوحُ لي مدنٌ تفيقُ الآنَ نافرةً
قرىً مأهولةً بهديلِ أسرابِ الصباحِ
وثمَّ أغنيةٌ تمدُّ شراعها
جهةَ اليقينِ
وكلُّ حقلٍ يقتفي أثرَ الربيعِ
ويستفِزُ الوردَ قاتلهُ
فأسمعُ للعبيرِ غِنَاً:
” على الباغي تدورُ دوائرُ الدُنيا
على الباغي تَدُورُ تدُورْ
وللوردِ الضُحى بيتٌ
وبيتُ عدوهِ الديجورْ
وللمدنِ السنا والصحو
ينفخُ ذاهلاً في الصُّورْ
أفقنا يا دُنْى ابتسمي
بوجهِ سُباتنا المسعور” .