كان لي أملٌ
حين صحوت اغرورقت عيناي بالدموع
لشعوري أنني لم أمُت لأتخلص من هذا العناء،
كان لي أملٌ أن تكون ليلة البارحة آخر عهدي بالبقاء،
وهكذا -في كل ليلة- أتمنى ألاَّ تعود وألاَّ أصحو بعدها..
ماذا أفعل في هذه الخرابة التي يتصارع من أجلها العالم
ذاكرتي مليئة بهول الحرائق والمعارك والخراب والدمار
والقتلى والجرحى والأسنان والمخالب والخناجر والرصاص والدبابات وجميع الأسلحة الثقيلة،
لا أتذكر -أبدًا- أنني مررت بموقفٍ جميل
أو رأيت صورةً تبعثُ الجمال والسكنى
أو أنني سمعت كلمةً طيبةً في يومٍ ما،
قد يكون أنني مررت بمواقف جميلة
وسمعت كذلك أطيب الكلام وأعذبه
لكنَّ حدوث كارثة إنسانية في لحظة
يمحو كل ذلك -تمامًا- من العقل الباطن.
حاولتُ مرارًا أن أكون على ما يرام:
لا أتألم ولا أحزن ولا أشعر بالحرمان؛
لكني فشلت بمجرد التفكير في هذا الأمر.
فهل الحلُّ ألاَّ أحاول أن أكون على ما يرام!!
البلادُ واسعة وأنا مُحاصرٌ في بيتي الصغير
البلادُ مليئةٌ بالثروات، وأنا لا أملك خردلة،
هل هناك حلٌّ أستطيع به أن أكون بخير!!.
أعِد إليَّ الحياة بطريقتك الخاصة
بالهجرة أو بالمال أو بالمواساة أو بما ترى،
أنا في المكان الخطأ، أصارع كائنات متوحشة،
تنهشُ أعماق الإنسانية والإنسان بمخالب فولاذية،
لا تؤمن بالمُساواة والمواطنة مثلما تؤمن العصافير،
كائنات لا ترى غير نفسها، صاحبةَ الأحقية في العيش
تأكل الأخضر واليابس في طرفةِ عينٍ، وتجحد كل شيء،
تبتلع المساكين اليتامى وحتى الأجِنَّة في بطُون الأمهات
كذلك تقضي على من تُسوِّل له نفسه الوقوف في وجهها،
كائنات دخيلة على هذه المدائن التي مات جميع أبطالها،
كائنات مُستحدثة عقدِيًّا، تتواصى بالعبودية والسَّاديَّة،
حيث لم نكن بحاجة إلى تحديث في الدين والمعتقد،
كائنات مخلوقة لإقلاق السكينة البشرية في الأرض،
يقال أنها كانت موجودة قبل أجيالٍ، لكنها انقرضت،
فما الذي جعلها تُبعَثُ مِن جديد وتَعبَثُ من جديد!!
كائنات متناقضة مع كل شيءٍ لا يعرف التناقض،
تُصَفِّقُ لها فتعطيك الفُتات وتدوس على وجهك،
تبتعد عنها فتحاصرك بالمخبرين والشائعات
والتهم القاتلة بالقانون وطنيًّا وأخلاقيًّا..
كيف يا حارس التاريخ بِسِعَةِ ذاكرتك
وجموح حُرِّيتك ومبادئك العظيمة!
كيف سيكون الأمر بالنسبة لي!!؟
أكتبُ عنِّي أم عن بلادٍ تُشبهني!
كُلُّ مقاماتي علاماتُ تَعَجُّب،
ولا أعجبُ مِن مشهدٍ يراني أحتضرُ وهو فوق رأسي
يتصفح مدوناتي ذاهلاً ومُعجبًا بقصائدي
التي كتبتها في أشدِّ لحظاتِ العذاب.
أيها القريب إلى أعماقي والأقرب إلى الله:
أرجوك أعِد إليَّ الحياة بطريقتك الخاصة،
كان بوسعي أن أكون وحشًا كبيرًا
حين مكَّنَتنِيَ الغابةُ من نفسها،
وكان بوسعي أن أكون ثريًّا
حين حاول المستعمر إغرائي وشراء عاطفتي وضميري،
وكان بوسعي أن أكون مُنافقًا وخائنًا مقابل مطامع زائلة،
لكني زهدت عن تلك المغريات ورضيت بشظف العيش،
لم أسفك دمًا ولم أكن عونًا لظالم على فعل أي باطل،
ولم أجرح بشرًا أو نملةً أو طيرًا أو شجرةً أو حجرًا،
كنت إذا أصابتني شوكةٌ، أنزعها من قدمي برفقٍ
حتى لا تتحسس من أصابعي وتشعر بإهانة،
لا أحبُّ أن تشعر الشوكةُ أنني أقوى منها
فأنا لا أحتقرُ شيئًا أبدًا، حتى القاذورات،
ولهذا أصبحت مجنونًا في عيون الناس،
أتشرَّد وأغيبُ أيامًا ولا يسأل عنِّي أحد
أنام على الرصيف ولا يلتفت إليَّ أحد
أظمأ وأجوع وأعرى ولا يهتم بي أحد
أتمرَّغ بالرمل وأبكي ولا يواسيني أحد
أتحدَّث بوعيٍ وحكمةٍ ولا يسمعني أحد
أكتب بغرابةٍ مُفرطةٍ وأغنِّي خارج السرب
فيتابعُني الجميع بصمتٍ ولا يبدي إعجابَهُ أحد
أموت وحيدًا لأنني أدركت الحقيقة في هذا العالم
أموت وفي نفسي شيءٌ من الحياة يريدُ أن أعيش لأجلِه.
أعِد إليَّ الحياة بطريقتك الخاصة يا مُريد،
بحوزتك الطاقة والمال والعلاقات الجيدة
وبحوزتي الكثير من فكاهة الذكريات الجافة
والكثير من الآمال الغير صالحة لمغالطة النفس..
علاقتي بك كعلاقة السيمياء بأُولي الألباب الروحانيين
أكاشِفُك الأفراح والأتراح؛ لأقرع في أعماقك الأجراس/
أجراس المسؤولية بالرسائل السماوية ودلالاتها المهمة،
أنت مسؤول عن همزات الوصل والإشارات الملكوتية،
فالحسابات الخاصة والعامة تُحدِّد للبشري المصائر،
لا تغض طرفك عن حالٍ أبصَرتَهُ، فأنت مسؤولٌ عنه،
لقد كنتَ في مسارك الصحيح فلا تمِلْ عن مسارك
فالتحيةُ التي تُلقيها عليَّ، تُحيي أُمَّةً من الموت.