منبر حر لكل اليمنيين

الأمم المتحدة وازدواجية المعايير

42

كان ولا يزال الهدف الرئيس من تأسيس الأمم المتحدة هو إحلال الأمن والسلم الدوليين، وايجاد عالم أكثر عدلًا، تنعم فيه الدول بالتنمية وتراعى فيه حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وهذا ما ثبته ميثاق الأمم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين وكل الادبيات الصادرة عن المنظمة الدولية التابعة لها والتي صادقت عليها دول العالم.

لكن المتابع لعمل المنظمة منذ نشأتها يجد أنها قد أخفقت في تحقيق أهدافها، وايجاد حلول للعديد من النزاعات لأسباب متعددة، منها بنية المنظمة وتركيبة مجلس الأمن باعتباره الجهاز التنفيذي الموكل اليه بموجب الميثاق مهمة احلال السلام، وهذا بسبب هيمنة الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، الصين، روسيا).

تلك الدول يحق لها دون غيرها استخدام حق (الفيتو) عند التصويت، وبموجبه يتم تعطيل أي قرار يتعارض مع مصالحها هي وحلفائها، وهنا تبرز ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين تجاه العديد من النزاعات الدولية، وهذا أحد بواعث المطالبة الواسعة بضرورة اصلاح المنظمة الأممية.

في حقيقة الأمر ليس من العدل أن تنفرد خمس دول بسلطة القرار بشأن القضايا التي تعرض على المجلس وفقًا لمصالحها، فالعالم أكبر وأوسع، وهناك حاجه إلى إيجاد نظام يعكس التعددية الثقافية لضمان سلام عالمي عادل أكثر استدامة وهو الهدف الأسمى من انشاء هذا المنتظم الدولي.

عندما نقيم دور الأمم المتحدة في إحلال الأمن والسلم في الدول التي تشهد نزاعات نجد أن دورها محدود، بسبب استخدام حق الفيتو، خاصة في فترة الحرب الباردة وما بعدها.

إضافة إلى أنها أصبحت منظمة تدير توزيع مساعدات من خلال عشرات المكاتب التي تحتاج إلى نفقات تشغيلية باهظة قد تصل إلى 40% أحيانا وهذا يجعل منها أشبه بجمعية خيرية وليس وسيط باستطاعته أن يحل ويعقد، وهناك سياسية مقصودة دفعت بها إلى الاكتفاء بهذا الدور واغفال دورها كوسيط فاعل وملزم لكل أطراف النزاع.

بهذه الصورة وهذا التحول فقدت المنظمة بريقها وجوهر عملها، وهو أمر لا يليق بها مطلقا، وقد أثبتت كثير من القضايا سواء في الشرق الأوسط أو آسيا أو أفريقيا؛ أن الأمم المتحدة مجرد جهة عادية ليس لها من نصيبها إلا الاسم فقط، لكن على أرض الواقع أخفقت في معظم الاختبارات، بل وصل الأمر إلى ظهور شخصيات ارتبط اسمها بالفساد والمحاباة، وتنفيذ أجندة غير التي تفيد الشعوب وتنهي الصراعات.

إذًا انضمام دول أخرى إلى مجلس الأمن الدولي مثل (مصر- إيران- باكستان- الهند- جنوب افريقيا- الجزائر- إثيوبيا- المملكة العربية السعودية كندا- البرازيل- تركيا- اليابان- كوريا الجنوبية- استراليا) قد يغير من الصورة النمطية لإدارة الصراعات وتجنيب المستقبل كثير من الاحتقان الذي قد يؤدي إلى مزيد من الحروب الغير تقليدية.

هناك أمثلة متعددة منذ نشوء المنظمة العالمية، ولكن تظل “القضية الفلسطينية” جوهر القضايا، وواحدة من أهم الملفات المزمنة في فشل وعجز ومحدودية هذه المنظمة، وعدم قدرتها على إيجاد حل عادل أو فرض تطبيق القرارات الصادرة من مجلس الأمن، سواء في فترة الثنائية القطبية
أو عندما حاولت امريكا فرض نظام القطب الواحد، بل زادت الأمور قتامة وظلما وانتهاكا لحقوق الأنسان.

وقد تناول العديد من الزعماء السياسيين والكتاب والعلماء بالنقد عمل المنظمة الدولية، كما قدمت عدد من الدول اقتراحات بإصلاحها لتكون أكثر عدلًا، وخاصة توسيع عضوية مجلس الأمن الدولي، وإلغاء حق الفيتو الذي تسبب في ضياع كثير من الحقوق، وتأكيد الظلم والتمييز العنصري وازدواجية المعايير في العالم.

إذًا من الأهمية بمكان أن تشهد شعوب العالم والعملية السياسية تغيرات جديدة في هذا الإطار، وهذا لن يكون ما لم يؤمن الجميع بما فيهم امريكا بأنه لا بد من توسعة عضوية مجلس الأمن الدولي لتشمل عشر دول جديدة على الأقل، تختار بعناية وتراعي الحضور الجغرافي والتاريخي والسياسي.

أهمية التغيير أيضا تكمن في حاجة العالم إلى السلام الذي يقوم على العدل وليس على تغذية الصراعات واستقطاب بعض الأقليات لفرض أجندة، ودعم أطراف على حساب أخرى، وخلق صراعات تجعل المجتمعات في صدام مستمر.

ولهذا يجب على كل الدول الفاعلة في الحراك السياسي في العالم، أن تلعب دورًا إيجابيًا في إيجاد معترك جديد، يقوم على إشراك دول جديدة تستطيع التعبير عن الشعوب بعيدًا عن الهيمنة العسكرية والثقافية والسياسية، وبالذات النموذج الأمريكي الذي كشف عن كثير من الثغرات والذي يقوم على أساسات نظرية أكثر منها تطبيقية، ناهيك عن الازدواجية والأجندة التي توظف في إطار تغذية الصراعات لا أكثر وأضعاف قدرة الشعوب وروح الإنسان الفرد.

الأمر الأهم هنا وهو الراهن الفلسطيني وما يحدث في غزة من عدوان غاشم وبربري أحدثه الكيان الصهيوني بمباركة من دول حق الفيتو بما فيها فرنسا وأمريكا وبريطانيا.

برغم كل السلبيات التي صاحبت عمل منظمة الأمم المتحدة طيلة العقود الماضية،
وعلى الرغم  من الضغوط الغربية وضغوط اللوبيات الصهيونية إلا أن الأمم المتحدة حاولت التوازن من خلال العودة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشأن الفلسطيني أكثر من مرة، تخلصا من الانحيازات المتحكمة في مجلس الأمن، فضلا عن الموقف الإنساني للأمين العام للأمم المتحدة إزاء ضحايا غزة و قتل المدنيين والجرائم والحصار وعمليات الإبادة بحق الفلسطينيين، وقد كان موقف أنطوان غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة محل تذمر واسع لدى الكيان الصهيوني وآلته الإعلامية حيث تم مهاجمة الرجل على موقفه الرافض لتلك العمليات الإجرامية الهدف منها ممارسة الإرهاب ضده والتنصل من جرائمها.

لقد تحدث الأمين العام بكل مصداقية عن الحالة الانسانية الخطيرة لأبناء فلسطين، وسياسة التجويع والقتل الجماعي بصفتها جريمة تعاقب عليها القوانين الدولية، كما حذر من نشوب حرب واسعة في المنطقة حال استمرار الحصار والبدء بالاجتياح.

أضف إلى ذلك الاستجابة الطارئة لدعوة المملكة الأردنية إلى التصويت لمشروع القرار العربي الداعي لوقف العدوان الظالم على غزة وسرعة تقديم المساعدات وفتح المعابر وادانة العنف والذي صوتت عليه 120 دولة وامتنعت 45 فيما فضلت الحياد 14 دولة، وهو مسار مهم أثبت بما لا يدع مجال للشك أن ما يجري على أرض فلسطين من قتل واحتلال وحصار أمر مدان ومرفوض ويدخل في إطار حرب الإبادة.

اليوم الجميع على مرمى حجر من نشوب صراع واسع نتيجة لهذه الممارسات السياسية والكيل بمكيالين تجاه قضايا الشعوب، وقد آن الأوان لإحداث “ثغرة” في جدار التصلب ولغة الاستعلاء والمحاباة على حساب كرامة الأفراد وحريتهم وسيادة أراضيهم.

تعليقات