منبر حر لكل اليمنيين

فلسطين والرقصة العرجاء لمحور الممانعة

29

بلا شك لقد شكلت انتفاضة السابع من أكتوبر الحالي نقلة نوعية لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي الذي أعاد القضية الفلسطينية للأذهان بعد عقود من النسيان، ولعل ما يُميز هذه الحرب هو تجاوزها للجغرافيا العربية، الذي وصل صداها لكل شعوب العالم، والتي بدورها خرجت منددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة مطالبة بنفس الوقت حكوماتها بوقف دعمها للكيان الصهيوني وبضرورة وقف الحرب ومحاسبة النظام الإسرائيلي المجرم

فالحرب ليست ظاهرة جديدة اندلعت مؤخراً في غزة، بل هي أحد أهم أدوات الكيان الإسرائيلي في نفي وإلغاء بعض الكيانات داخل فصائل المقاومة الفلسطينية، والذي من شأنه أن يُساهم في تفكيك المقاومة وإضعافها وسلب إرادتها الجماعية في مواجهة الاحتلال.

فكان الدور الإيراني هُنا ظاهراً للعيان ملامحه عبر تأجيج الفصائل وتحريضهم على الاقتتال إما بالانحياز لأحد الأطراف، أو عبر تهيئة ظروف اشتعال القتال ومن ثم الانسحاب وعدم التدخل، وهذا ما حدث يوم السابع عشر من أكتوبر جعل النظام الإيراني يفضل الصمت على أن يتفوه بكلمة واحدة ولو من باب حفظ ماء الوجه تجاه ما يتعرض له أطفال غزة من جرائم حرب وإبادة تجاوزت محرقة ” الهولوكوست” وفاقت فظاعة كل أساليب القتل والإبادة التي ارتكبتها ” داعش والقاعدة ” في عدة عواصم عربية وإسلامية

إن إيديولوجيا الإسلام السياسي بشكل عام هي أيديولوجيا مُحملة بجملة من التناقضات، ففي الوقت الذي يدعي فيه النظام الإيراني وأدواته في المنطقة دفاعهم عن فلسطين وقضية شعبه العادلة، والرغبة في مواجهة إسرائيل، تُحاول أن تتبنى نظرية الفلسفة السياسية تطفلاً وعَنوة القائلة؛ بأن لا مجال لما هو مقدس وثابت في حقل الإجابة عن ما هو مُتغير ومتطور مثل قضية فلسطين، ولذلك فإن القضية الفلسطينية في نظر هؤلاء الغوغائيون هي قضية تدرسها وتُحدد نظرياتها وتبعاتها مناهج محددة، وفقاً لمعيار المصلحة العامة والشخصية، وبما يخدم أيضاً مصالح الكيان المحتل بتفاوتاتها الطبقية بوصفها مصدراً للكسب السياسي للازمة والصراع في فلسطين

وما حدث هو أن الحرب انتقلت من كونها أداة تحصرها طهران في جيبها وجغرافيتها المحددة، إلى حرب فضاء مصيريه لا راعي لها ولا وصي عليها، بل أصبحت مُهدداً حقيقياً لاستمرارها على امتداد الإقليم، ومدخل نحو انتحار شامل قد يُصيب دول بعينها تعتقد طهران بأنها ستكون بعيدة عن مرمى نيرانها

وما يُثير القلق ويُضاعف مؤشرات التحول نحو مآل انهيار وتفكك أدوات إيران في المنطقة عموماً وفي اليمن خصوصاً، هي الكيفية التي تتفاعل بها الأدوات مع حالة الحرب الحالية، ومسألة تأسيس أرضية خصبة للانتفاع مما يحدث من جهة، والكيفية التي يتفاعل بها أطراف الصراع عسكرياً وسياسياً من جهة أخرى، وهي كيفية بالنسبة لمحور ما يُسمى بمحور ” الممانعة ” قوامها الاختباء والهروب من الجذور التي أفضت إلى الصمت والإدانة على استحياء وقفزهم نحو عتبات التصريحات الغبية والاستعراضات الكرتونية التي أثبتت مدى ضحالتها وانحيازها لمصلحة كيانات محددة الغرض منه خدمة مصالح أجنبية حليفة ونصيرة ومُدبرة للانقلابات في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، ومتخاذلة في فلسطين، وبالتأكيد فإن إيران حريصة على قطع الطريق أمام التغيير والتحول الديمقراطي والسياسي في المنطقة، وترفض أن يُزاحمها أي دور عربي فيما يتعلق في الصراع العربي الإسرائيلي أو في الصراع القائم في عواصم عربية عدة، لأنها ستضطر حينها وكعادتها إلى اللجوء لخيارات العنف والقتل والحروب الطائفية لاستبعاد أي منافس لها.

وما يدور في وسائل الإعلام المختلفة حالياً هو تقويض لسردية طهران ومحورها في المنطقة، الذي حاول ولسنوات تدجين القضية الفلسطينية وحوثنتها لرفع رصيدهم في الشارع اليمني والعربي، ومن ثم تنكروا لها غير مدركين فظاعة ما أقدموا عليه، وهو ما يؤشر بحتمية سقوط هلالهم الذي ولدَ ميتاً.

تعليقات