منبر حر لكل اليمنيين

هل سينجو التعليم من فخ المليشيا وسط تغييرات جذرية في المناهج؟

ما علاقة ذلك بالعملية السياسية والمفاوضات ودعوات السلام؟

7

تفترض المعطيات والمؤشرات السياسية أن مليشيا الحوثي لا يمكن أن تستجيب في اللحظة الراهنة لأي عملية سلام شاملة تقوم على إعادة العمل بالمؤسسات الرسمية وإتاحة الفرصة لعودة الديمقراطية بشكلها التقليدي من أجل رسم معالم البلد سياسيا واقتصاديا وثقافيا.

إذ لا يزال التمسك بالمشروع الطائفي هو المعضلة الكبرى في نظر الوسطاء والنخب السياسية التي تسعى إلى عملية استقرار متكاملة، ليس ذلك وحسب بل إن إلغاء الآخر من خلال فرض أفكار ورؤى، يفترض مسبقا انها الانجع ولا بد على الجميع أن يأخذ بها ويسير عليها بصورتها المتطرفة التي تلغي كل الممكنات، وتطيح بالنسيج الاجتماعي الذي كان قد من خلال تراكمات بصورة إيجابية غير كاملة منذ ثورتي سبتمبر وأكتوبر؛ لصالح أجندة خارجية.

مناهج تم تمزيقها لصالح أخرى

مؤخرا أصدرت مليشيا الحوثي تعميما جازما قابلا للتنفيذ إلى مشرفيها في وزارة التربية والتعليم بالإعداد والتجهيز لمناهج دراسية جديدة تتواكب مع التغييرات التي نتجت عن ما يسمونها (ثورة 21 سبتمبر) التي لا تزال في نظر اليمنيين انقلاب كامل الأركان فيما يسميه البعض احتلال.

هذه التوجيهات تأتي في السياق السياسي الذي يبني عليه الحوثي آماله في فرض نمط معين من العقيدة والثقافة والعملية التعليمية، تصل حد التحكم بالمظهر الخارجي للأشخاص من الجنسين، وربط العملية بالإيمان لدى الأفراد دون عمل أي اعتبار للصعوبات التي تواجه الناس بشكل يومي جراء هذه السياسة.

إذًا ربط العملية التعليمية بالمشروع السياسي واحد من أهم التوجهات الخطيرة التي تعمل عليها جماعة ما تسمى ب “انصار الله” والتي تقوم على توظيف جزء من التاريخ وتقديمه على أنه المسار الصحيح والأخذ به كفكر وعقيدة وحتى منهج عملي يمكن من خلاله تنشئة جيل من الصغار والشباب وحتى الطلاب في المراحل والدراسات العليا.

يحيى الحوثي ووزارة التربية

لم يكن وضع شخصية مثل يحيى بدر الدين الحوثي على رأس وزارة التربية والتعليم أمر عفوي، الرجل عضو مجلس نواب سابق بإمكانات علمية ضعيفة جدا وقدرات سياسية متواضعة وخبرات تربوية غائبة، وهو الأخ الأكبر لزعيم الحوثيين عبد الملك بدر الدين الحوثي. إضافة إلى ذلك فهو زائر سابق لطهران وظل على ارتباط بتنظيم الجماعة حتى وهو في ألمانيا، بمعنى أنه كامل الولاء للأنصار وسيقوم بتنفيذ الأجندة والتوجيهات بحسب رغبة المستشارين وبما يخدم مشروع “الحق الإلهي” والإمامة بصورتها الجديدة القديمة.

هذه القراءة تقوم على معطيات واقعية ومشاهد يومية يلمسها الآباء والأمهات في كل مكان ويتابعها السياسيين عن كثب والتربويين والنخب الثقافية وحتى المنظمات الدولية والمحلية، بمعنى أنه لا توجد أي مبالغة في تصوير الأمر واستعراضه على هذا النحو، بل إن ما تجاوزناه من تفاصيل وأرقام أمر في غاية الخطورة.

غياب تام للشرعية وأدوات المواجهة

باستثناء القنوات الإعلامية المتواضعة وبعض الناشطين والباحثين والكتاب والسياسيين فإن مواجهة هذه الظواهر التي باتت واقع بقوة المليشيا غير كاف ولا بد من حشد كل القنوات السياسية والحقوقية واستدعاء الروافع التي من غيرها لا يمكن إيقاف هذا الزحف على العملية التعليمة والتجريف السياسي للهوية الوطنية والنسيج الاجتماعي.

ما تقوم به مليشيا الحوثي من تكريس الجهود من خلال المراكز الصيفية والدورات الثقافية ومحاضرات الغرف المغلقة وإنشاء مدارس داخلية والتدريب على استخدام الأسلحة، قنبلة موقوتة من شأنها خلق صدام فكري وعقائدي وثقافي (مخيف).

نحن على مشارف بنية ثقافية وفكرية وممارسات مغلوطة بحسابات التنوع والاختلاف ومواكبة الآخر وبناء الإنسان بناء صحيحا وسليما بما يمكنه من احترام غيره؛ في حال استمر على ما هو عليه، وترك كل هذه المساحات أمام جماعة بلا وعي بالمفترضات والممكنات جماعة لا تؤمن بالآخر إلا بما يحقق مصالحها ويخدم مشروعها الأحادي.

هذا الرأي ينسجم تماما مع التقارير الدولية والمحلية ومع الشواهد اليومية والمراكز الحقوقية التي تتابع التجاوزات أولا بأول، وترصد على الأرض المجريات ربما بتفاصيل دقيقة ومملة إن صح التعبير، ما يدفعنا جميعا إلى طرح كثير من التساؤلات وأخذ المحاذير والبحث عن الكيفية التي ستكون عليه العملية التعليمية بعد سنوات والمجتمع وجيل متعاقب من اليمنيين.

التسريع في تغيير المناهج مؤشر على فشل المفاوضات

التوجيهات الأخيرة لقيادة المليشيا في التربية والتعليم كانت قد تضمنت سرعة الإعداد والتجهيز وطباعة المناهج قبل بداية الفصل الدراسي الثاني، وإيقاف التعامل بالمناهج السابقة، في جميع المراحل الدراسية من الابتدائية وحتى الثانوية.

وسبق أن تم التوجيه بتغيير كثير من المواد مثل القرآن الكريم والتربية الإسلامية واللغة العربية والتربية الوطنية والتاريخ، بالإضافة إلى تغييرات جزئية في بقية المواد الدراسية، وإلغاء مواد أساسية في الجامعات واستبدالها بتدريس اللغة الفارسية في توجه واضح لمحو غالبية المواد والدروس واستبدالها بأخرى من صميم ملازم حسين الحوثي.

اليوم المليشيا تفرض سيرة أسرة بدر الدين ومؤسس الجماعة حسين الحوثي في معظم المواد على كافة المستويات؛ ومعها سيرة شخصيات تاريخية دينية وسياسية ومناسبات لا تعني اليمنيين لا من قريب ولا من بعيد إلا كتاريخ مضى عليه عشرات القرون.

كل هذه المعطيات تشير بشكل واضح إلا أن مليشيا الحوثي تتجاوب مع المفاوضات والاتفاقيات بما يتماشى مع سقفها السياسي ورؤيتها للعملية السياسية، لأن ما يجري على أرض الواقع مختلف تماما ولا ينسجم أو يتوافق مع دعوات السلام.

التذكير بمدونة السلوك الوظيفي

كتيب صغير لا يتجاوز ال 40 صفحة، أعده مجموعة من العقائدي داخل الجماعة بصورة مركبة غير قابلة لأي تحقيق لا على المستوى النظري ولا العملي.

هذه المدونة إذا تم العمل بها وفرضها على الموظفين وبقية أفراد المجتمع فإنها ستصبح بمثابة دستور مجحف في حق كل اليمنيين، فالمدونة عمل لا أخلاقي يتجاوز إرادة الناس وحقهم في التعبير، ويتدخل في خصوصيات كما يفسر الحالة الداخلية للأفراد ويقيمهم على أساس الكفر والإيمان.

لذا يجب على كل يمني أن يطلع على هذه المدونة كحالة استثنائية تحاول جماعة “أنصار الله” توظيفها بصالح الحق الإلهي الذي يملكه زعيم المليشيا ويصادر حق الموظف.

تعليقات