منبر حر لكل اليمنيين

طاهر بن جلون متملقًا الخطاب الغربي الرسمي

5

طاهر بن جلون روائي مغربي فرانكفوني، يكتب بالفرنسية، أعلن موقفه إزاء ما يحدث متملقا الخطاب الغربي الرسمي. وأظن انها المحرك الرئيسي لأعماله. اذ اتذكر اني عجزت عن اكمال روايتين له، دون أن أجد ما يدفعني لإكمال قراءتهما.
لا أقول هذا الرأي بناء على موقفه، لأني لم أكن أعرف عنه أي شيء، بل كانت دوافعي منحازة له، بوصفه روائي مغربي معروف في فرنسا، دون اخفاء شعور بالتضامن الثقافي لجذور مشتركة.
لا يمكنني الخلط بين الأدب وأي موقف أخلاقي أو انساني. لكن ربما أدرك الان السبب من عدم انجذابي له، أي وجود شكلا من التصنع الجاف، وإن اتسم بحرفية السارد. هل هي القصدية الاستشراقية في كتاباته، محاولة دغدغة الصورة الطاغية في الغرب عن المجتمعات الشرقية. كما لو أنه يحاكي لوحات الفرنسي ديلاكروا، وكما لو كان مرآة مأخوذة بمؤثرات الخطاب الامبريالي الأوروبي الممتد من فترته الذهبية في القرن التاسع عشر.
ولا أقول أنه كان يعي ذلك، لكنها محركات نراها اليوم لدى كثر يحركهم الانبهار بالثقافة الأقوى، فالأخلاقي هو السائد أو المتفوق، وهكذا هم البشر في العادة.
الإبداع ليس غايته ابهار تصور عام أو دغدغة ميول سائدة. لهذا لست مبهورا بالخطاب ما بعد الكولونيالي، واذا استعدنا التصوير الايروتيكي في الأعمال العظيمة، الأحمر والأسود على سبيل المثال، فانها انشغلت بمفهوم وجودي، وانساني يجسد تطلع جوليان لبطولة، محركها نابليون كنموذج مأخوذا به، لكن بذات صغيرة، عرفت كيف تدير انتهازيتها دون مجد، لتتحطم في صورة عصر غدت فيه البطولة إحدى الانعكاسات الحالمة للرومانتيكية.
كان نابليون، الرمز الغنائي لذلك العصر، الذي سبق وأعلن فيه بيتهوفن عصرها الموسيقي في سيمفونيته الثالثة، مبهورا بشخصية نابليون، لكن دون غنائية. قبل إدراكه المبكر بأنها صورة حالمة عن ظل بطل خذل تصوره، فمزق اهداءه لنابليون.
بينما ستندال صاحب الأحمر والأسود، يستعيد الصورة الحالمة بتحيزه الوطني الفرنسي، لكن ليسقط عليها شعرية الواقع، ممسكا على مجهر تشريحه الجواني للنفس الانسانية. وبحسه الرؤيوي والوجودي، يجسد محرك زمنه المتجلية في دوافع بطله؛ التوق لبطولة بطموح مكبثي، وبنفس صغيرة.
الروح التي ستتمظهر لاحقا بكل تجلياتها في شخصية نابليون الثالث. بالطبع ليس مهمة فن الرواية التنبؤ، لكن عبقرية ستندال تستكشف روح عصره وتجسمها، متعمقا في جوانية الانسان وتعقيدات النفس البشرية. فكانت رائعته الأحمر والأسود، روايتي المفضلة بالنسبة للأدب الفرنسي.
كانت صورة جوليان تتطفل حالمة على رمزها البطولي، في عصر لم يعد سوى قشور غمامية لانعكاس بطل. والطاهر بن جلون، هو تلك النفس الصغيرة في روح الرواية، ليختار لغة ستندال في عصر انحسر فيه مجد الرواية الأوروبية، ومارس وصولية جوليان بخطابه الروائي، لكنه أغفل جانبا حالما أضفى على جوليان جمالية دون كيخوتية، المحرك الذي فرض مصداقيته بأن يتمسك بالمأساة التي اختارها لنفسه في النهاية. معلنا بصدق اخفاقه البطولي وفي نفس الوقت مبقيا على الجانب المأساوي لنابليون. ومعلنا ان البطولات في عصره بلا أمجاد.
ويالذلك النبوغ الذي جعل من ستندال يتفوق على ثربانتس، بصورة ما، مبحرا على سطح السرد، دون اعتماد خطابا مباشرا تكشف غيبوبة الحالم، مضفيا عليها واقعية أعمق. وهذا لا يعني أفضليته على سلفه الأسباني، بقدر انه وضع نفسه كواحد من أعظم كتاب الرواية في عصرها الذهبي. وبتصوري الرواية ليست خطابا أخلاقيا، نعظم أصحابها وفق تحيزاتهم الأخلاقية ومواقفهم. لكنها ليست بمنجى عن دوافع البشر، حتى تلك التي تحيكها الأنفس الصغيرة.

تعليقات